«الوطن» تزور كبرى شركات الصناعات الدفاعية التركية ضمن وفد إعلامي دولي
شاركت “الوطن” ممثلةً عن الصحافة البحرينية في جولة إعلامية دولية نظمتها دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، شملت كبرى شركات الصناعات الدفاعية في أنقرة وإسطنبول، بمشاركة 33 صحفياً من 23 دولة حول العالم، وذلك بالتزامن مع انطلاق فعاليات مهرجان “تكنوفيست الوطن الأزرق” في إسطنبول.
وخلال الزيارة، اطلع الوفد الإعلامي على أحدث المشاريع والتقنيات التي طورتها شركات رائدة مثل أسيلسان وروكيتسان وTAI وFNSS، حيث جرى تقديم عروض موسعة حول أبرز المنجزات التركية في مجالات الدفاع الجوي والبري والبحري.
وتأتي هذه الجولة لتسليط الضوء على الإنجازات الاستراتيجية التي حققتها تركيا في قطاع الصناعات الدفاعية خلال العقدين الماضيين، ودورها المتنامي في تعزيز الأمن الإقليمي والتعاون الدولي، فيما تصدر “الوطن” هذا الملحق الخاص لتوثيق الجولة، ورصد أبرز ما شاهده الوفد من مشاريع وأنظمة متطورة.
“أسيلسان”: نصف قرن من الريادة
في كلمته، قدّم المدير العام لشركة أسيلسان (ASELSAN) أحمد أكيول رواية مفصلة عن مسيرة الشركة التي ولدت من رحم الحاجة الوطنية قبل خمسين عاماً، حين اجتمع أربعة مهندسين في شقة صغيرة ليطلقوا الشرارة الأولى. وقال إن هذا الجهد البسيط تحوّل اليوم إلى مؤسسة عملاقة تضم ستة مرافق إنتاجية، تمتد أنشطتها من الاتصالات والرادارات إلى الأنظمة الكهروضوئية، والقيادة والسيطرة، والملاحة، وأنظمة التعرف على العدو والصديق.
أكيول ذكّر أن حرب قبرص عام 1974 كانت نقطة الانعطاف التاريخية، حيث واجهت تركيا حينها قيوداً قاسية على استيراد الأسلحة، وهو ما دفعها إلى ترسيخ قناعة بأن الأمن القومي لا يمكن أن يُبنى إلا على قاعدة وطنية مستقلة. وأضاف: “كأمة لم ننسَ ذلك الدرس أبداً، وواصلنا المسيرة من الإنتاج تحت الترخيص، إلى تطوير الأنظمة الفرعية، وصولاً إلى مرحلة بناء منصاتنا الخاصة القابلة للتصدير”.
كما كشف أن تركيا من خلال مشروع القبة الفولاذية (Çelik Kubbe) اختيرت ضمن خمس دول في حلف الناتو معنية بوضع معايير منظومات الدفاع الجوي، وهو ما اعتبره دليلاً حاسماً على الكفاءة الوطنية. وأكد أن تركيا لم تعد دولة تلاحق التكنولوجيا، بل أصبحت “ترسم الاتجاه وتعيد صياغة القواعد في بعض المجالات”، مشيراً إلى أن الإنجاز الأبرز تمثل في صناعة أول سفينة مسيّرات مسلّحة في العالم، التي باتت منصة لإقلاع وهبوط الطائرات المسيّرة، وأن مشروع المقاتلة “قزل إلما” (Kızılelma) سيغيّر موازين القوة بفضل خصائصه في التخفي والتشغيل الجماعي والقدرة على تغيير مفهوم العمليات الجوية.
“روكيتسان”: من الصواريخ الباليستية إلى الفضاء
أما المدير العام لشركة روكيتسان (ROKETSAN) مراد إكينجي، فقد أكد أن شركته تنتج معظم الصواريخ المستخدمة في مشروع القبة الفولاذية، بما في ذلك الصاروخ الباليستي “تايفون”، مشيراً إلى أن تركيا تتصدر اليوم العالم في مجال تسليح الطائرات المسيّرة بذخائر ذكية وصواريخ فرط صوتية وصواريخ كروز متطورة.
وأوضح أن القوات المسلحة التركية باتت تستخدم هذه القدرات في ميادين العمليات ضد الإرهاب وعلى جبهات القتال التقليدية بكفاءة عالية، معتبراً أن سر النجاح يكمن في الجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والتطبيق الميداني الفعّال.
وأضاف أن تركيا تجاوزت مرحلة كونها مجرّد “مصدّرة للسلاح” إلى أن أصبحت مصدّرة للقدرات، حيث تمنح الدول الصديقة والحليفة فرصة الدخول في برامج تطوير مشتركة، بما يضيف إلى جيوشها مهارات تشغيلية جديدة. وقال: “ما نقدمه ليس مجرد منتج، بل تفوق عملياتي وشراكة استراتيجية طويلة المدى”.
إكينجي لفت أيضاً إلى أن رؤية تركيا المقبلة تركز على اقتحام ميادين المستقبل عبر الاستثمار في التقنيات الفرط صوتية، تكنولوجيا الفضاء، أنظمة الصواريخ تحت الماء، المواد المتقدمة، والرادارات الحديثة، مؤكداً أن قاعدة المهندسين الشباب في تركيا تملك القدرة على تجاوز دول استثمرت في هذا القطاع منذ عقود طويلة.
البعد الشعبي والوطني
وخلال النقاشات، جرى التذكير بأن انطلاقة “أسيلسان” لم تكن بقرار حكومي فقط، بل بجهود شعبية واسعة، إذ جُمعت التبرعات الأولى من المواطنين في ميادين المحافظات، فيما أسهم فنانون بارزون في تلك المرحلة بإحياء حفلات لجمع الأموال اللازمة. هذا البعد الشعبي، بحسب المشاركين، شكّل الركيزة الأولى لولادة صناعة دفاعية وطنية راسخة.
صناعة تحدد القواعد
الندوة، التي اتخذت عنوان “من الجذور إلى الآفاق”، جسّدت مضموناً عملياً لما آلت إليه الصناعات الدفاعية التركية: من تجربة مريرة في سبعينيات القرن الماضي، إلى واقع متقدم يجعل من تركيا دولة “تصوغ القواعد بدلاً من أن تتبعها”. وقد أجمع المتحدثون على أن المسيرة لم تنتهِ، بل إن المرحلة المقبلة ستكون أكثر تقدماً مع دخول البلاد مجالات جديدة كالمركبات غير المأهولة، الفضاء، والصواريخ الفرط صوتية.