أيمن شكل

تشجيع للاستثمار وحماية للحقوق وتمكين لـ”الخاص” وقفزة بقطاع المال في المملكة

من ضمانات تقليدية لفرص تمويلية حديثة تعزز مكانة البحرين كمركز مالي دولي

حماية المستثمر وتوسيع الائتمان ضمن معالم التحول الاقتصادي بـ”المعاملات المضمونة”

القانون يفتح أبواب التمويل أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

نظام ضمان موحد وتمويل أسهل واقتصاد أكثر مرونة

تعزيز الشفافية عبر السجل المركزي خطوة لتقليل المخاطر ورفع كفاءة السوق

من الرهن للضمان غير الحيازي.. تحديث يواكب التحول المالي العالمي

الأصول غير التقليدية.. آفاق تمويل جديدة عبر الذمم وحقوق الملكية الفكرية

مواءمة المعايير التجارية مع الإطار القانوني.. تحديات “المعقولية” و”الإفصاح الإيجابي”

تفتح «الوطن» ملف مشروع قانون «المعاملات المضمونة»، في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة التي تشهدها مملكة البحرين، حيث يأتي مشروع القانون كخطوة استراتيجية نحو ثورة في التمويل، لدعم بيئة الأعمال وتعزيز مكانة المملكة كمركز مالي دولي، لا يقتصر أثر هذا القانون على تنظيم الضمانات فحسب، بل يشكّل نقلة نوعية نحو تمكين القطاع الخاص، وتحفيز الاستثمار، وتوسيع نطاق الائتمان، لا سيما للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لطالما واجهت تحديات في الوصول إلى التمويل.

وينتقل القانون من نموذج الضمانات التقليدية إلى منظومة تمويلية أكثر حداثة ومرونة، تعتمد على الأصول المنقولة، بما فيها الذمم والحقوق غير الملموسة، وتُدار عبر سجل مركزي موحد يعزز الشفافية، ويقلل من مخاطر التزاحم في الحقوق. كما يتبنى القانون مفاهيم جديدة مثل الضمان غير الحيازي والمعقولية والإفصاح الإيجابي، في محاولة لمواءمة الإطار القانوني مع المعايير التجارية الدولية.

ويُعدّ مشروع القانون أحد أبرز معالم التحول الاقتصادي في البحرين، حيث يجمع بين حماية حقوق المستثمرين، وتطوير الأدوات التمويلية، وتوسيع قاعدة الضمانات، بما يُسهم في تحقيق اقتصاد أكثر كفاءة ومرونة واستدامة.

وكانت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس النواب أصدرت تقريراً بشأنه يوصي بالموافقة عليه، بهدف تحديث وتنظيم البيئة التشريعية والاقتصادية في المملكة، لتتيح نوعية جديدة من الضمانات للقروض، ما يشجع على الاستثمار ويحمي حقوق المستثمرين، لجانب تمكين القطاع الخاص لتعظيم الاستفادة من أصوله، وتحقيق قفزة بالخدمات المالية بالمملكة.

واحتوى القانون المرافق على (60) مادة مقسمة علی 6 فصول، جاء الفصل الأول تحت عنوان «الأحكام العامة» وذلك في المواد من (1) إلى (5)، في حين جاء الفصل الثاني تحت عنوان «إنشاء حق الضمان ونفاذه.

وقواعد الأولوية فيه»، وذلك في المواد من (6) إلى (28)، أما الفصل الثالث جاء بعنوان «الأحكام الخاصة بالذمم المالية» وذلك في المواد من (29) إلى (38)، أما الفصل الرابع والذي جاء بعنوان «التنفيذ على حق الضمان» فشمل المواد من (39) إلى (46). وشمل الفصل الخامس «تنازع القوانين» المواد من (47) إلى (56). وأخيراً، جاء الفصل السادس تحت عنوان «أحكام متفرقة» وذلك في المواد من (57) إلى (60).

وأوضح رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب النائب أحمد السلوم أن تقييم الأصول سيترك للجهة المقرضة، مشيراً إلى أن النظام الموحد لحقوق الضمان والذي سيطبق على جميع أنواع المنقولات، يتم العمل عليه وتطويره حالياً، كما سيتم تحديد المنقولات الخاضعة والمستثناة من النظام الموحد وفق قرار يصدر من وزير الصناعة والتجارة.

ويهدف مشروع القانون إلى تحقيق الآتي:

1. تحسين أداء مملكة البحرين في مجال الخدمات المالية، أحد المجالات العشرة التي يُعنى بها تقرير الجاهزية لأداء الأعمال (BREADY)، وهو تقرير جديد صادر عن مجموعة البنك الدولي، يهدف إلی تقييم مناخ الأعمال والاستثمار في مختلف دول العالم.

2. تنمية القطاع الخاص عبر تمكين مؤسساته من تعظيم الاستفادة من أصولها، مما يسمح لها بالحصول على تمويل بتكلفة أقل باستخدام تلك الأصول كضمان، مع الاستمرار في تشغيلها والاستفادة منها.

3. وضع نظام موحد لحقوق الضمان يطبق على جميع أنواع المنقولات، باستثناء المنقولات المستثناة صراحة في مشروع القانون، حيث يهدف النظام إلى سد أي ثغرات قانونية وتجنب التناقض بين الأنظمة القانونية المختلفة التي قد تنطبق على حقوق الضمان.

4. تنظيم المعاملات الاقتصادية وتشجيع الاستثمار في المملکة، مع حمایة حقوق المستثمرین، وهو ما من شأنه تعزيز مكانة مملكة البحرين على المؤشرات العالمية کإحدی الدول الجاذبة للاستثمار.

ماهية المعاملات المضمونة

«المعاملات المضمونة» (Secured Transactions) هي معاملات مالية يتم فيها استخدام الأصول المنقولة (مثل الآلات والمعدات، المخزون، الحسابات المدينة، حقوق الملكية الفكرية، الأسهم، وغيرها من الأصول غير العقارية) كضمان للحصول على ائتمان أو تمويل. فعندما يقترض شخص أو شركة أموالاً، فإنه يقدم أصلاً منقولاً كضمان للدائن، بحيث إذا لم يتم سداد الدين، يحق للدائن التصرف في هذا الأصل لاستيفاء دينه.

الجوانب المالية والاقتصادية لمشروع القانون

يُعد مشروع قانون بإصدار قانون المعاملات المضمونة من الخطوات المهمة لتعزيز بيئة الأعمال والاستثمار في مملکة البحرين، حيث يهدف إلى تنظيم حقوق الضمان على الأموال المنقولة من خلال توسيع نطاق

الضمانات المقبولة وتوفير آلية واضحة لإنشاء وإنفاذ حقوق الضمان، مما يسهم في تحقيق الاستقرار المالي، كما يعزز القانون الشفافية والمرونة في السوق المالية للتعامل مع الضمانات وهو ما يعد عنصراً محورياً لتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية.

ومن المتوقع أن يكون لهذا القانون تأثير كبير على الاقتصاد الوطني من خلال تحفيز النمو في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك التمويل، والعقارات، والصناعات الصغيرة والمتوسطة.

وتشتمل الجوانب المالية والاقتصادية الة بمشروع القانون على:

1. توسيع نطاق الضمانات المقبولة

حيث يهدف مشروع القانون إلى توسيع نطاق الضمانات المقبولة، إذ يعترف بحقوق الضمان على الأموال المنقولة سواء كانت مادية أو غير مادية دون الحاجة إلى نقل حيازتها، ويشمل ذلك الأصول الحالية والمستقبلية، مما يتيح للأفراد والشركات استخدام مجموعة واسعة من الأصول كضمانات، مثل الحقوق المالية، والأصول المعنوية، والأموال التي لم تتم تسويتها بعد، بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية والأسهم، الأمر الذي يساهم في تمكين المؤسسات وعلى الأخص الصغيرة والمتوسطة من الحصول على الائتمان الضروري للنمو والتوسع.

2. دعم الاستقرار المالي وتسهيل عمليات التمويل

إذ يوفر القانون بيئة مستقرة لضمان حقوق الدائنين والمقترضين مما يعزز ثقة الأطراف المختلفة في المعاملات المالية ويحد من النزاعات ويسهم في استقرار النظام المالي والمصرفي وتقليل نسبة القروض المتعثرة. كما أن وجود حقوق ضمان واضحة على الأصول المنقولة يقلل من المخاطر التي قد يواجهها الدائنون في حال حدوث تعثر مالي من جانب المقترض، مما يسهم في تحفيز البنوك والمؤسسات المالية على تقديم تسهيلات ائتمانية بشروط ميسرة وأسعار فائدة تنافسية.

3. تعزيز الشفافية والجذب الاستثماري

يتضمن القانون إنشاء سجل مركزي للضمانات المنقولة، مما يعزز الشفافية ويُسهل على الأطراف المعنية التحقق من حالة الضمانات ووجود حقوق ضمان أخرى عليها، ويقلل المخاطر المترتبة علی المعاملات غیر الواضحة. الأمر الذي ينعكس إيجاباً على البيئية الاستثمارية؛ إذ تعتبر الشفافية عاملاً مهماً في جذب استثمارات وتعزيز الثقة بالنظام المالي ورفع تصنيف الدول في التقارب الاقتصادية العالمية.

4. دعم الابتکار المالي والتقني

يتيح القانون فرصاً لتطوير حلول مالية وتقنية جديدة، مثل استخدام التكنولوجيا المالية (FinTech) في تسجيل وتتبع الضمانات، مما يسهم في تعزيز الكفاءة وسرعة المعاملات. كما أن استخدام وسائل الاتصال التقنية الحديثة لإرسال الإخطارات المتعلقة بالضمانات وتنفيذ إجراءاتها يسهم في سرعة الإنجاز وخفض التكاليف الإدارية.

تصنيفات الضمانات المنقولة والاستثناءات

وصنف القانون الضمانات المنقولة، سواء كانت أموال منقولة أو مادية أو معنوية وحالية ومستقبلية وهي:

1 الذمم المدينة. (وهي المبالغ المالية للضامن في ذمة الغير، ولا تشمل الحق في الدفعات المالية المثبتة في السندات القابلة للتظهير أو الحق في الدفعات المودعة في الحسابات لدى المؤسسات المالية أو الحق في الدفعات بموجب الأوراق المالية).

2 الحسابات لدى المؤسسات المالية.

3 الأوراق المالية.

4 السندات والصكوك القابلة للتداول التي تثبت استحقاق مبلغ أو ملكية بضائع، بما في ذلك الأوراق

التجارية وشهادات الإيداع البنكية ووثائق الشحن وسندات إيداع البضائع.

5 المعدات وأدوات العمل.

6 حقوق الملكية الفكرية التي يجوز التصرف فيها وفقاً للتشريعات المنظمة لها.

7 العناصر المادية والمعنوية للمحل التجاري.

8 المخزون

9 المحاصيل الزراعية والحيوانات ومنتجاتها.

10 العقار بالتخصيص، وهو كل منقول يضعه صاحبه في عقار يملكه، رصداً على خدمة هذا العقار أو استغلاله، ويمكن فصله عنه دون تلفه أو هلاکه.

11 الأموال المنقولة التي تتطلب التشريعات النافذة تسجيل حقوق الضمان التي ترد عليها في سجلات خاصة. وتحدد اللائحة التنفيذية، بعد أخد رأي الجهات المعنية بالسجلات الخاصة، القواعد والإجراءات المُنظمة لتنسيق تسجيل أو قيد حقوق الضمان الواردة على تلك الأموال المنقولة بين السجلات الخاصة وسجل الإشعار، متضمنة طرق ووسائل نقل وتبادل المعلومات والبيانات الواردة بين تلك السجلات.

12 الأموال المملوكة على الشيوع بشرط موافقة جميع الملاك على إنشاء حق الضمان.

واستثنى مشروع القانون ثلاثة نطاقات وهي:

1 النفقات والأجور والرواتب والتعويضات العمالية

2 الأموال العامة وأموال الوقف

3 الحقوق المستقبلية المتعلقة بالميراث والوصية.

لكن قسم البحوث القانونية في مجلس النواب انتقد اتساع نطاق تطبيق القانون وقال إن صياغتها تحتمل تضارباً مع قواعد القانون المدني بخصوص أهلية التصرف في الأموال المستقبلية، كما أن تحديد الجهات المعنية بالسجلات الخاصة تستلزم تنسيقا مؤسسيا عاليا لضمان تماسك الأولويات بين السجلات المختلفة، وهو ما يشكل عبئاً تشغيلياً على الإدارة التنفيذية، ما لم تنظم اللائحة التنفيذية آليات تبادل البيانات بشكل دقيق وملزم.

الفوائد التي سيحققها القانون

ومن أبرز الفوائد التي سيحققها مشروع القانون بحسب الجهات المشاركة في إبداء الرأي، وهي وزارة العدل والصناعة والتجارة والمالية والاقتصاد الوطني والغرفة وجمعيتا رجال وسيدات الأعمال البحرينية، وجمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك ما خلصت إليه لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس النواب:

• دعم وتنمية القطاع الخاص: سيمكن هذا القانون المؤسسات، وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (SMEs)، من تعظيم الاستفادة من أصولها المنقولة. فكثير من هذه المؤسسات لا تمتلك أصولاً عقارية كبيرة لتقديمها كضمان، ولكنها تمتلك أصولاً منقولة ذات قيمة يمكن استخدامها للحصول على التمويل اللازم للتوسع والنمو.

• تعزيز سهولة الحصول على الائتمان: بتوفير إطار قانوني موحد وشفاف للضمانات على الأصول المنقولة، سيصبح من الأسهل على البنوك والمؤسسات المالية تقييم المخاطر وتقديم الائتمان، مما يزيد من فرص حصول الشركات على التمويل.

• تنظيم المعاملات الاقتصادية: سيضع نظاماً موحداً لحقوق الضمان يطبق على جميع أنواع المنقولات (باستثناء ما يستثنى بنص القانون)، مما يقلل من التعقيد ويزيد من الكفاءة في المعاملات المالية.

• تشجيع الاستثمار: من خلال حماية حقوق المستثمرين والدائنين، سيعزز القانون بيئة الأعمال، مما يجعل البحرين أكثر جاذبية للاستثمار المحلي والأجنبي.

• تعزيز مكانة البحرين في المؤشرات العالمية: تحسين بيئة الائتمان والضمانات يساهم في تحسين تصنيف البحرين في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال والقدرة التنافسية العالمية، مما يعزز مكانتها كإحدى الدول الجاذبة للاستثمار.

• الحد من المخاطر وتحسين الشفافية: بوجود سجل مركزي للضمانات، يمكن للدائنين التحقق من وجود ضمانات سابقة على الأصل، مما يقلل من مخاطر الاحتيال ويحسن الشفافية في سوق الائتمان.

• خفض تكلفة الاقتراض: عندما تكون الضمانات أكثر أماناً وقابلية للتنفيذ، فإن تكلفة الاقتراض قد تنخفض لأن المخاطر التي يتحملها الدائنون تقل.

الضمان غير الحيازي

وأشارت اللجنة القانونية إلى أن القانون ينتقل من نموذج الرهن التقليدي إلى نموذج «الضمان العيني غير الحيازي» وهو توجه حديث ومتبنى في عدة أنظمة تشريعية معاصرة، إذ يتيح إنشاء ضمانات دون تجريد المدين من الحيازة الفعلية، وهو ما يعزز فرص التمويل دون تعطيل النشاط الاقتصادي.

المعقولية التجارية وحسن النية

وتتحدث المادة 4 من مشروع القانون عن «مراعاة حسن النية والمعقولية التجارية»، وهو ما علق عليه قسم البحوث القانونية بأنه نهج قد يحدث انزياحاً عن التقاليد المدنية في تفسير العقود واستحداث لمفهوم «المعقولية التجارية» كمعيار مستقل عن «حسن النية».

الإفصاح حجر زاوية القانون

وتستوجب المادة 5 من القانون على الضامن الإفصاح عند إبرام عقد الضمان عن أية حقوق قائمة على الضمانة وبيان حقيقتها ووضعها والإخطار الفوري بكل ما يؤثر على حق الضمان.

وهو ما وصفه قسم البحوث القانونية بأنه حجر الزاوية في حماية المضمون له، إلا أنها تؤسس لمسؤولية قانونية كبيرة على عاتق الضامن، وتستحدث مبدءاً غير مألوف تقليدياً في التشريعات المدنية وهو مبدأ الإبلاغ الإيجابي، لكنه يتطلب التنسيق مع أحكام القانون المدني بشأن الغلط والتدليس، وكذلك مع أحكام قانون العقوبات في حالات التزوير أو إخفاء البيانات الجوهرية.

ساحة خصبة للمنازعات

وتوقع قسم البحوث القانونية أن تشكل هذه المادة ساحة خصبة للمنازعات خصوصاً في حال الإخلال الجزئي بواجب الإبلاغ، ودعت لتحديد المقصود بـ «ما يؤثر على حق الضمان» من خلال وضع معايير موضوعية لتجنب الفهم التقديري الخاطئ من الضامن.

إنشاء حق الضمان

تطرقت المادة 6 من القانون لإنشاء حق الضمان والشروط الجوهرية التي يتعين توافرها لنفاذ العقد بين الأطراف، وميزت بين نشوء الحق داخلياً وبين إمكانية الاحتجاج به خارجيًا، حيث أجاز المشرّع أن يرد حق الضمان على أموال مستقبلية، وقد عقب قسم البحوث القانونية بأنه أمر يتطلب جرأة تشريعية لأنه يمس مبدأ استقرار التعاملات، إلا أنه في الوقت ذاته يعكس واقعية اقتصادية تدفع نحو تمويل المشاريع حتى قبل تحقق أصولها فعلیاً.

وتعود إشكالية التقاطع مع أحكام القانون المدني، في هذه المادة فيما يتعلق بمدى جواز إنشاء التزامات عن شيء غير موجود بعد. في حين أن المادة (19) من القانون المدني تنص على أن «كل شيء غير خارج عن التعامل يصح أن يكون محلاً للحقوق المالية»، فإن هذه المادة تتوسع في المفهوم من خلال السماح بإنشاء حق ضمان قبل تحقق ملكية الضامن للمال موضوع الضمان.

تعارض مع القانون المدني

وشدد قسم البحوث على ضرورة تأكيد على أن النفاذ القانوني مشروط باكتساب الحق لاحقاً، وإلا كان هناك إخلال بقاعدة «لا تملك ما لا تملك»، وهو المبدأ المستقر في الفقه المدني كما في القانون البحريني هو أن الشخص لا يستطيع أن ينشئ حقًاً عينياً على شيء لا يملكه، إذ إن التصرف يفترض سلطة قانونية أو فعلية على محل العقد. وهذه القاعدة تتجلى بوضوح في المادة 19 من القانون المدني، وهذا التوسع قد يحمل مخاطر قانونية وتطبيقية إذا لم تضبط شروطه، إذ قد يقيد الضامن نفسه بسلسلة ضمانات مستقبلية تؤثر على حرية تصرفه، وتثقل الذمم المالية للمدينين الآخرين في حال تضارب الأولويات، كما أنه قد يثير مشكلات إثباتية حول علم المضمون له بتاريخ تحقق الملكية الفعلية، أو نزاع مع أطراف آخرين لم يُخطروا بتحقق الضمان.

وطالب قسم البحوث بأن تُفسر هذه الأحكام على نحو ضيق، وتُقيد باستخدام الإشعارات المسبقة وتسجيلها في سجل الإشعار بشكل دقيق، مع التأكيد على أن حق الضمان لا يكون نافذاً تجاه الغير إلا بعد تحقق واقعة الملكية ودون أثر رجعي إلا إذا سجل مسبقاً، اتساقاً مع أحكام المادة (8). كما يُوصى بإلزام اللائحة التنفيذية بفرض متطلبات خاصة على الضمانات المستقبلية، مثل تحديد نوع المال ومصدره ومدة توقع تملکه، حتى لا تصبح المسألة افتراضية أكثر من اللازم.

سجل حقوق الضمان قد يتعارض مع قانون التسجيل العقاري

وفي المادة 7 من القانون تتطرق إلى إنشاء سجل إلكتروني مخصص لتسجيل حقوق الضمان، وهو أشبه بـ»السجل العقاري» ولكن للمنقولات. وتتمثل أهمية هذه المادة في تكريس مبدأ العلنية والشفافية، الأمر الذي يعزز من موثوقية الائتمان ويوفر معياراً موضوعياً لترتيب الأولويات.

إلا أن قسم البحوث القانونية لفت إلى وجود تعارض محتمل مع بعض النصوص الواردة في قانون التسجيل العقاري، الذي لا يعترف بحق الضمان على العقار بالتخصيص إلا عند قيده في سجلات خاصة. بينما يقر المشروع بأن التسجيل في سجل الإشعار قد يسبق أو يوازي القيد في سجلات أخرى، وأكد أن نجاح هذه المادة يتوقف على التزامن بين الجهات المختصة لضمان سريان متكامل لا مزدوج.

كما أن إسناد إدارة السجل إلى جهة خاصة إحاطة تشريعية وضوابط صارمة، نظراً لحساسية البيانات المتبادلة، وإمكانية إساءة استخدامها.

وهذا يقود إلى الحاجة لتشريع مكمل أو لائحة تفصيلية لحوكمة إدارة البيانات، والتظلم من القرارات الإدارية الصادرة عن هذه الجهة، خاصة في حالة الرفض أو الخطأ في القيد.

وتحدد المادة 9 من القانون، الهيكل الكامل لمفهوم الأولوية في استيفاء الحقوق، وهو ما يُعتبر الركيزة الأساسية لأي نظام ضمانات عينية. إذ رسخت ترتيباً تفصيلياً يُراعي أولاً المصروفات القضائية، ثم المستحقات السيادية، ثم مصاريف الصيانة، وأخيراً التحسينات.

وأشار قسم البحوث القانونية إلى أن الترتيب يُشكل خروجاً نسبياً عن ترتيب الامتيازات في القانون المدني، حيث قد تُقدَّم الديون الممتازة الأخرى (كأجور العمال أو النفقة) بحسب سياقها التشريعي الخاص، وقال إن المشرّع قرر ألا يكون لعلم الدائن بوجود حقوق سابقة أي أثر على ترتيب الأولوية، وهو توجه يحمي الدائن حسن النية، ويعزز يقين السوق، لكنه في الوقت نفسه قد يضر بالمضمون عنه إذا ما تم استغلال النظام لتقييد الذمم المدينة بشكل مفرط، ما يستدعي رقابة لاحقة على التسجيلات التعسفية.

«الضمانات الحساسة»

ونوه قسم البحوث القانونية إلى الحفاظ على الضمانة الوارد في المادة 10 من القانون، بأنها قد تثير إشكاليات عند تعدد المضمون لهم أو في حال وجود التزامات صناعية أو تجارية تتطلب معاملة فنية خاصة للضمانة «كالآلات أو البرمجيات»، ودعا لمعالجة اللائحة التنفيذية للضمانات المعقدة أو الحساسة بوصفها «فئات خاصة».

إشكاليات استعمال الضمانة

وتمنح المادة 12 للضامن الحائز للضمانة الحق في استعمالها وإدارتها والانتفاع بعوائدها، ما لم يُنص في عقد الضمان على خلاف ذلك، إلا أنه يُثير إشكاليات مهمة حال تعارض هذا الحق مع مصالح المضمون له، خاصةً في حالات الضمانات سريعة التناقص أو القابلة للتلف.

وهنا يظهر تعارض ضمني مع بعض مبادئ القانون المدني، خاصةً فيما يتعلق بحدود استعمال المال محل التزام مقيد. إذ إن استمرار الضامن في استخدام المال قد يؤثر على موضوع الضمان نفسه، وقد يجعل قيمة الضمانة أقل من قيمة الدين، ما قد يُخِل بمبدأ «تكافؤ الضمان مع المضمون».

كما أن إطلاق اليد في استعمال الضمانة دون تقييد بآليات رقابية (مثل الجرد أو الإشراف المشترك) قد يفتح الباب لإساءة الاستعمال أو التصرّف الذي يعيق التنفيذ لاحقًا، وأوصى قسم البحوث بأن تتضمن العقود نماذج أو مؤشرات محاسبية لضبط استعمال الضمانة.

وتناولت المادة 14 من القانون موضوع الحجز على الضمانة، وهو ما أثار مسائل مثل جواز تسجيل الحجز إذا لم يكن لصاحب الحجز حق ضمان سابق، وترتيب الأولوية، وقد لفت قسم البحوث إلى أن النص لم يبين من هو المكلف بإجراء التسجيل وقال إن هذا الفراغ قد يثير مشكلات تنفيذية عملية، خاصة عند ازدحام الحجوازات أو التداخل بين جهات التنفيذ.

المقاصة على الضمانات واحتمالات التحايل

وقررت المادة 18 من القانون أولوية صريحة لحق المقاصة الاتفاقي في الحسابات المصرفية لدى المؤسسات المالية على أي حق ضمان لاحق. وقال قسم البحوث إنه يُفهم من هذا النص أن المشرّع يعترف للمؤسسات المالية بأفضلية قانونية على حسابات عملائها في حالة وجود اتفاق مسبق، حتى في وجه ضمانات لاحقة تم تسجيلها، وهذا الحكم يخلق حالة تنازع مباشر مع حقوق المضمون لهم الآخرين، وقد يُفرغ حقوقهم من مضمونها، خاصة في السياقات التي تكون فيها الحسابات مصدراً وحيداً للعوائد المضمونة، كما أنها قد تفتح المجال أمام احتمالات التحايل، كأن تفرض البنوك شرط المقاصة على كافة الحسابات لضمان الأولوية التامة لها.

ودعا إلى وضع ضوابط صارمة لتفعيل هذا الحق، من بينها إثبات أن المقاصة كانت محل اتفاق سابق وفعلي، وأن المقاصة لم تكن صورية أو لاحقة لإخطار المضمون له، ووضع قواعد رقابية من قبل المصرف المركزي تمنع تعسف المؤسسات المالية في استغلال هذا الامتياز لحجب الأموال عن الضمانات القانونية.

وتتطرق المادة 21 إلى الأموال المادية المختلطة، بحيث تضمن الحماية لحقوق الضمان على الأموال المادية المختلطة بما يمنح المضمون له حق الاستمرار في تنفيذ الضمان رغم اختلاط المال المضمون بأموال أخرى مما يشكل التوازن بين حماية حق الضمان وعدم التأثير على سير المعاملات الاقتصادية، وتعد هذه المادة ضرورية لضمان أولوية حقوق الضمان في حال الاختلاط دون الحاجة لإجراءات إضافية.

تملك الضمانة بغير الطريق القضائي

وتوفر المادة 40 من القانون الحق للمضمون له في التملك أو بيع الضمانة أو تأجيرها أو الترخيص باستخدامها بغير الطريق القضائي، في حال إخلال المضمون عنه، وهو ما يوفر للمضمون له خيارات مرنة وسريعة لتحصيل حقه دون اللجوء إلى الإجراءات القضائية المعقدة، وهو ما يعزز من حماية الحقوق التجارية ويزيد من فعالية إجراءات التنفيذ.

وفي حال البيع ووجود فائض فقد عالجت المادة 41 هذا الأمر بإلزام المضمون له بأن يودع في خزانة المحكمة الفائض الذي يتحصل عليه من بيع أو تأجير بعد خصم المصاريف، ويلتزم المضمون عنه بمسؤوليته متى كان عائد بيع الضمانة أو تأجيرها غير كافٍ لتسوية الالتزام المضمون.

كما تلزم المادة 45 بالتعويض للضامن والمضمون عنه وأي صاحب حق على الضمانة عن أي عطل أو ضرر أو كسب بائت ناتج عن مخالفة المضمون له لإجراءات التنفيذ المنصوص عليها في القانون.

حق الضمان على الملكية الفكرية

ألمح قسم البحوث القانونية إلى احتمالية إثارة إشكالية عملية حول حق الضمان على الملكية الفكرية، خاصة عندما يكون الضامن كثير التنقل، وتساءل: هل العبرة بمكان الضامن وقت تحرير العقد أو وقت رفع الدعوى؟، ولو اعترض الغير على نفاذ الضمان، فهل العبرة بمكان الضامن وقت الاعتراض أم وقت إنشاء العقد؟، وأردف: قد يقوم العقد في المياه الدولية التي ليست ملكاً لأي دولة.

تنازع القوانين

يفرد الفصل الخامس من القانون مواده للحديث عن تنازع القوانين، حيث جاءت المادة 47 لتوضيح القانون الواجب تطبيقه على الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد الضمان، بأن يؤخذ بالاتفاق أولاً، وإذا لم يوجد يتم الرجوع للقانون رقم 6 لسنة 2015 المعني بحل مشلكة تنازع القوانين.

العقوبات

تطرقت المادة 58 من القانون إلى العقوبات الخاصة بمخالفة الضمان وجاء نصها:

يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تقل عن ألف دينار ولا تجاوز خمسين ألف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من:

1 أنشأ حق ضمان نافذاً في مواجهة غير الخلاف للحقيقة أو بشكل مخالف لأحكام هذا القانون.

2 تعمد وضع معلومات غير صحيحة عند تسجيل الإشعار.

3 أتلف الضمانة أو تسبب في الانتقاص من قيمتها أو من حقوق الضامن أو المضمون لهم أو قام بأي عمل أدى إلى حرمانهم من استيفاء حقوقهم من عوائدها أو من حصيلة التنفيذ عليها.

4 اختلس الفائض من بيع الضمانة أو تأجيرها أو الترخيص باستخدامها، أو عرقل إيداع الفائض في خزانة المحکمة.

5 عرقل إجراءات التنفيذ على الضمانة بما في ذلك إجراءات وضع اليد عليها أو إجراء التصليحات الضرورية عليها أو بيعها أو توزيع عوائدها أو حصيلة التنفيذ عليها.

ولا يبدأ سريان تقادم الدعوى الجنائية في هذه الجرائم إلا من تاريخ علم المجني عليه بالواقعة ومرتكبها، ما لم يبدأ التحقيق فيها قبل ذلك.

وفي المادة 59 وردت مسؤولية الشخص الاعتباري وعقوبتها في النص « مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي، يُعاقب الشخص الاعتباري بغرامة لا تقل عن ألفي دينار ولا تجاوز مئة ألف دينار إذا ارتكبت أية جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (٥٨) من هذا القانون باسمه أو لحسابه أو لمنفعته أو بواسطته، وكان ذلك نتيجة تصرف أو امتناع أو موافقة أو تَسَتُّر أو إهمال جسيم من أي عضو مجلس إدارة أو مدير أو أي مسؤول مفوّض آخر في ذلك الشخص الاعتباري أو ممن يتصرف بهذه الصفة.

تجارب خليجية ودولية رائدة

وهناك تجارب خليجية رائدة في تطبيق قانون المعاملات المضمونة حيث تم تطبيقه في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في عام 2020، وهذه القوانين سمحت للشركات، وخاصة الصغيرة والمتوسطة، بتقديم أصولها المنقولة كضمانات للحصول على القروض، مما أدى إلى تحسين كبير في تدفق الائتمان وتعزيز الشفافية وثقة المستثمرين.

كما تُظهر التجارب الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا، أن تطبيق هذه القوانين يؤدي إلى توسيع نطاق الضمانات المقبولة، ودعم الاستقرار المالي، وتعزيز الشفافية، وجذب الاستثمار.

شاركها.