اخبار البحرين

بن دينه لـ«الوطن»: البحرين مؤهلة لأن تصبح مركزاً إقليمياً للبحث الطبي التطبيقي – الوطن

زهراء حبيب تصوير: سهيل وزير

«البحرين تتمتع ببنية تحتية تقنية وتعليمية تؤهلها لأن تصبح مركزاً إقليمياً للبحث الطبي التطبيقي»، هذا ما خلص إليه أستاذ علم الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة الخليج العربي الأستاذ د. خالد مبارك بن دينه في حوار مع «الوطن»، إلا أنه حدّد شروطاً، بينها إنشاء مراكز أبحاث متخصّصة في الأمراض المعدية والبيوتكنولوجيا الحيوية، وحاضنات تقنية مشتركة للباحثين والشركات الدوائية لتطوير منتجات جديدة، وإقامة شبكة بحثية خليجية تتبادل العينات والبيانات والتقنيات، وتأمين مِنَح دراسية للكفاءات الوطنية بمراكز بحثية عالمية.

ولم يتوقف الحوار مع د. بن دينه حول رؤاه المستقبلية، بل تركّز أيضاً على إنجازات قدّمها بالبحث العلمي الطبي، على رأسها بحث حول مقاومة المضادات الحيوية، دفع الجهات الصحية إلى تعديل بروتوكولات العلاج وتخفيض معدلات الفشل العلاجي من 25% إلى 12%، لجانب التنبؤ بتفاقم حالات الإنتان عبر تحديد مؤشرات مبكرة تنبئ بارتفاع خطر الوفاة بنسبة تزيد على 50%، ما خفض الوفيات بنسبة 20% في وحدات العناية المركزة. وعن الذكاء الاصطناعي، أسهب د. بن دينه بالحديث حول استخدامه حالياً بتحليل صور الشرائح المجهرية، والتنبؤ بمسار المرض، وإدارة المضادات الحيوية.

ففي عصر تتسارع فيه الابتكارات العلمية، وتتزايد فيه التحديات الصحية، يبرز دور الأكاديميين والباحثين في رسم معالم المستقبل الطبي. ومن هذا المنطلق حاورت «الوطن» الأستاذ د. خالد مبارك بن دينه.

ويمتدّ رصيد د. خالد العلمي لأكثر من عشرين عاماً، تنقّل خلالها بين مختبرات المملكة المتحدة ومرافق البحث والتعليم في مملكة البحرين. شارك في العديد من المؤتمرات الدولية، ونشر العشرات من الأوراق البحثية في مجلات محكّمة عالمية.

ونال بن دينه حديثاً زمالة الكلية الملكية البريطانية لعلوم الأمراض في المملكة المتحدة، وتُعد هذه الزمالة اعترافاً بمستوى رفيع من الأداء البحثي، وتفتح أمام د. بن دينة آفاقاً جديدة للانضمام إلى شبكة دولية من المتخصصين، والمشاركة في ورش عمل ومؤتمرات عالمية، مما يعزّز مهاراته المهنية، ويسهم في تبادل الخبرات والتجارب.

وإلى تفاصيل الحوار:

كيف بدأت رحلتك الأكاديمية؟ وما الذي جذبك إلى حقل الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية؟

بعد حصولي على البكالوريوس في علم الأحياء من المملكة العربية السعودية، التحقت بكلية العلوم الصحية، وزارة الصحة. وتم ابتعاثي لنيل الماجستير في علم الأحياء الدقيقة الطبي في جامعة لندن، ومن ثم التحقت بجامعة الخليج العربي التي ابتعثتني لنيل الدكتوراه من الجامعة نفسها.

ودرّست في هذه الجامعة أكثر من عشرين دفعة من خيرة أطباء الخليج العربي وكذلك، أُتيحت لي الفرصة للعمل في مختبرات مجهّزة على أعلى مستوى. وبدأت العمل على بحوث علمية عديدة عن مقاومة المضادات الحيوية وبكتريا المعدة والتهابات الدم وكذلك التحليل الجيني لفيروس الكوفيد في البحرين. كما أشرفت على بحوث الماجستير والدكتوراه للطلبة، ما أشعل لدي شغف البحث العلمي.

تلا ذلك انخراطي في ورش عمل دولية لتقنيات الزرع المخبري وقياس المؤشرات المناعية، وبدأتُ أدرّس طلبة البكالوريوس الطب بأسلوب تفاعلي يعتمد على دراسات الحالة. إنّ رؤيتي تتمحور حول تأصيل المنهج العلمي النقدي لدى الطلاب، وتحفيزهم على التساؤل والتجريب الميداني، لما لذلك من أثر مباشر في إعداد أطباء وباحثين متميزين.

المحطات النوعية ما أبرز المحطات التي صقلت تجربتك المهنية حتى الآن؟

أول محطة نوعية كانت منحة الدكتوراه التي منحني إياها مجلس جامعة الخليج العربي بعد الماجستير، حيث تناولت رسالتي البحثية مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. نُشرت النتائج في مجلة Journal of Antimicrobial Chemotherapy، مما فتح أمامي آفاق التعاون مع مراكز بحثية في أوروبا وآسيا.

ثانياً، تقلدتُ منصب منسق برنامج الدراسات العليا للمختبرات الطبية، فأطلقت ورش عمل متقدمة في منهجية البحث العلمي وكتابة المنح الدولية، وأسستُ لجنة تحكيم داخلية لتقييم مشاريع الطلاب.

ثالثاً، وشاركت في البحث العلمي في الكلية، ونجحت في تمويل مشاريع بحثية تطبيقية، شملت شراكات مع وزارة الصحة وشركات القطاع الخاص. هذه الخبرات الإدارية والأكاديمية منحتني رؤية شمولية لاحتياجات البحث العلمي الفعّال.

اختيار التخصص وأهميته

لماذا اخترت تخصص علم الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية بالذات؟

اعتُبر هذا التخصص من أكثر المجالات حيويةً وتأثيراً، إذ يجمع بين البحث المختبري والتطبيق الإكلينيكي المباشر، فعندما يتمكن الطبيب من تحديد الكائن الدقيق المسبب للعدوى ومعرفة نمط مقاومتها للمضادات، يُمكنه توفير علاجٍ مخصصٍ يقلل من المضاعفات ويسرع التعافي.

ومن منطلق «الصحة الواحدة»(One Health)، أدركت أن صحة الإنسان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصحة الحيوان والبيئة، ما يتطلب بحثاً متكاملاً في مجالات الطب البيطري والبيئة. لذا عملت على تطوير مقررات دراسية تدمج هذا المفهوم، وأسست مختبراً بحثياً يربط الكلية بمختبرات وزارة الصحة لمتابعة انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ.

أبرز الأبحاث والإنجازات

حدثنا عن أهم الأبحاث التي نفذتها وتأثيرها على الممارسة الطبية؟

مقاومة الهيليكوباكتر بيلوري للمضادات الحيوية: أظهرت دراستنا سلالات مقاومة للكلاريثروميسين والأموكسيسيلين، ما دفع الجهات الصحية إلى تعديل بروتوكولات العلاج وتخفيض معدلات الفشل العلاجي من 25% إلى نسبة 12%.

التنبؤ بتفاقم حالات الإنتان (Sepsis): باستخدام التحليل الجيني وتقنيات البروتينوميكس، حددنا مؤشرات مبكرة تنبئ بارتفاع خطر الوفاة بنسبة تزيد على 50%، وأسهم تبني هذه المؤشرات في وحدات العناية المركزة بخفض الوفيات بنسبة 20%.

المبادرات الوطنية: شاركت في صياغة دليل وطني لإدارة العدوى في المستشفيات، بالتعاون مع وزارة الصحة، معتمدين على نتائج أبحاثنا.

كما نلت زمالة بريطانية في الأمراض المعدية، وشاركت في لجان تحكيم دولية وورش تدريبية لمنظمات مثل الـWHO والـCDC.

التحديات

ما أبرز التحديات التي تواجه الباحثين في تخصصك داخل البحرين؟

التحديات تتمثل في:

1. نقص الكوادر الوطنية: لايزال الاعتماد كبيراً على الكفاءات الأجنبية في المختبرات والمستشفيات، ما يحدّ من نقل الخبرة للبحرينيين.

2. التمويل المحدود: رغم وجود بنية تحتية جيدة، يظل التمويل البحثي أقل من التمثيل الإقليمي، مما يعيق مشاريع طويلة الأمد.

3. ضعف التنسيق مع الصناعة: تفتقر الجامعات إلى شراكات فعّالة مع القطاع الدوائي والتقني، فتبقى الأبحاث في إطار نظري دون انتقال إلى التطبيق التجاري.

4. ثقافة البحث العلمي: يحتاج خريجو العلوم والتكنولوجيا إلى تشجيعٍ أكبر لمتابعة الدراسات العليا والمشاركة في المؤتمرات.

لذلك، أدعو إلى إنشاء صندوق تمويل بحريني ممول من الحكومة والقطاع الخاص، وتفعيل برنامج منح بحثية سنوية، وإطلاق حاضنات تقنية تدمج بين الأكاديمية والصناعة.

المتغيرات البيئية ونمط الحياة

كيف تؤثر التغيرات البيئية ونمط الحياة على انتشار الأمراض المعدية؟

التغيّرات المناخية تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والجفاف، ما يدفع الحيوانات الناقلة للأمراض إلى الانتقال نحو تجمعات بشرية.

مثلاً، تزايد حالات حمى الضنك في مناطق جديدة نتيجة توسع انتشار بعوض الزاعجة. كذلك أدّى قطع الغابات إلى تداخل مواطن الحياة البرية مع المناطق السكنية، كما حدث مع فيروس الإيبولا في غرب أفريقيا. ومن جهة أخرى، تسارع وتيرة الحياة وزيادة السفر الدولي مكنا الفيروسات والبكتيريا من الانتشار السريع بين الدول، لذا بات من الضروري تبني نظم مراقبة وبائية تعتمد على تحليل البيانات المناخية والبيئية، وربطها مع نظم الصحة العامة لتوقع البؤر الجديدة مبكراً.

التقنيات الحديثة

ما أحدث التقنيات في تشخيص وعلاج الأمراض المعدية؟

أحدث التقنيات تشمل:

التسلسل الجيني الكامل (WGS): يتيح تحديد الطفرات المقاومة للمضادات الحيوية بدقة عالية خلال 24 ساعة.

CRISPRbased diagnostics: مثل تقنية SHERLOCK، التي تستخدم نظام كريسبر للكشف الفوري عن الحمض النووي الميكروبي في عينات الدم أو اللعاب.

Nanopore sequencing: تقنيات المحمولات التي تتيح التشخيص الميداني في المناطق النائية دون الحاجة إلى مختبرات متطورة.

Pointofcare tests: أجهزة تشخيص سريعة تظهر النتائج في دقائق، مناسبة للطوارئ والعيادات الريفية.

هذه التقنيات لا تسرع التشخيص فحسب، بل تحسن إدارة المضادات الحيوية من خلال إعطاء صورة كاملة عن نمط المقاومة، مما يحدّ من الاستخدام العشوائي.

الذكاء الاصطناعي

كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تخصصك؟

يُستخدم حالياً في عدة نواحٍ منها:

تحليل صور الشرائح المجهرية: خوارزميات التعلم العميق تتعرف على أنماط بكتيرية أو فطرية بدقة تتجاوز العين المجردة.

التنبؤ بمسار المرض: نماذج التعلم الآلي تجمع بين البيانات السريرية والوراثية لتقدير مخاطر التطور المرضي.

إدارة المضادات الحيوية: أنظمة ذكية ترشح للمريض المضاد الأنسب بناءً على بيانات السجل الصحي وتحاليل المقاومة.

رغم هذه القدرات، يبقى دور الطبيب محورياً في التحقق من صحة التوصيات وضبط خطة العلاج وفقاً لحالة المريض الفردية وظروفه الصحية.

وفي المستقبل، سيزداد التكامل بين السجلات الصحية الإلكترونية والذكاء الاصطناعي ليصبح التشخيص أسرع وأكثر تخصيصاً.

الرؤية المستقبلية

كيف ترى مستقبل البحث الطبي والابتكار في البحرين والمنطقة الخليجية؟

أرى أن البحرين تتمتع ببنية تحتية تقنية وتعليمية تؤهلها لأن تصبح مركزاً إقليمياً للبحث الطبي التطبيقي، شريطة:

1 إنشاء مراكز أبحاث متخصصة في مجالات الأمراض المعدية والبيوتكنولوجيا الحيوية.

2 تفعيل الشراكات الأكاديميةالصناعية: حاضنات تقنية توفر مساحات مشتركة للباحثين والشركات الدوائية لتطوير منتجات جديدة.

3 إطلاق برامج منح تنافسية محلية وخليجية لدعم مشاريع ما بعد الدكتوراه وتشجيع الابتكار.

4 تنمية الكفاءات الوطنية عبر منح دراسية وخبرات تدريبية في مراكز بحثية عالمية.

5 تعزيز التعاون الخليجي بإقامة شبكة بحثية مشتركة تتبادل العينات والبيانات والتقنيات.

بهذه الخطوات، يمكن للبحرين والمنطقة الخليجية تحقيق نقلة نوعية في مواجهة الأمراض المعدية وتعزيز الأمن الصحي المستدام.

هل من كلمة أخيرة؟

في الختام، أريد أن أؤكد على أن الاستثمار في البحث العلمي والتعليم الطبي هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الصحية الراهنة والمستقبلية، ومن خلال تضافر جهود الأكاديميين والباحثين وصانعي القرار، يمكن لمملكة البحرين أن تتبوأ مكانة ريادية في مكافحة الأمراض المعدية وتعزيز الصحة العامة على مستوى المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *