اخبار البحرين

تأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية – الوطن

د. موزة الدوي

عندما نتحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على العلاقات الأسرية، نجد أن هذا الموضوع يثير الكثير من الجدل والاهتمام. تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تطورت كثيراً، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً في حياتنا اليومية. هذه التغييرات الرقمية أثّرت بشكل كبير على الحياة الاجتماعية وبخاصة على العلاقات الأسرية.

فاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أصبح أكثر شيوعاً. هذا التغيّر أدى إلى تحولات في كيفية التفاعل والتواصل داخل الأسرة. بينما سهّلت هذه المنصات التواصل بين أفراد العائلة البعيدين، إلا أنها أدت أيضاً إلى تراجع التواصل المباشر والحوار الشخصي بين أفراد الأسرة الواحدة. الانخراط المفرط في العالم الافتراضي قد أحدث تغييرات كبيرة، وظهر نمط جديد من العلاقات الأسرية القائمة على التواصل عبر الشاشات. هذا قد يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية التقليدية وتحدي مفاهيم الأسرة في ثقافتنا.

كما أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكل مفرط قد أحدث تغييرات اجتماعية كبيرة على مستوى الأسرة والمجتمع. يتطلب هذا إيجاد حلول وآليات للحفاظ على متانة العلاقات الأسرية في ظل التحديات الرقمية. ومع ذلك، يتراوح تأثيرها بين الإيجابية والسلبية حسب كيفية استخدامها وتفاعل الأفراد معها.

من الناحية الإيجابية، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تُسهم في تعزيز التواصل بين أفراد الأسرة. يمكن للأقارب والأصدقاء أن يبقوا على اتصال مستمر ومشاركة الأحداث والأفراح عبر منصات التواصل الاجتماعي. يمكن أيضاً للأُسر البعيدة أن تشعر بأنها أقرب لبعضها البعض من خلال مشاركة الصور والفيديوهات والتعليقات، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تساعد كثيراً في الأوقات الصعبة، توفر مساحة للأشخاص لطلب المساعدة ويمكنهم التأثر بالدعم النفسي والعاطفي من خلال مشاركة قصص التحديات والأفراد يتعاونون مع بعضهم. هذا يبرز أهمية الروابط العاطفية في الأوقات الصعبة.

فوسائل التواصل الاجتماعي جزء أساسي من حياتنا اليومية، لكن تؤثر بشكل كبير على جودة الوقت مع العائلة؛ لذا يجب التوازن بين استخدام الوقت على الإنترنت ووقت العائلة لبيئة أسرية صحية، هذا التوازن يساعد في تعزيز الروابط الأسرية.

علاوة على ذلك، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تسهم في توسيع آفاق المعرفة والتعلّم لدى أفراد الأسرة. يمكن للأسرة الاطلاع على مواد تعليمية وثقافية مفيدة ومشاركتها مع أطفالهم، مما يعزز النمو العقلي والثقافي للأسرة بشكل عام. وسائل التواصل الاجتماعي تساعد كثيراً في تعزيز العلاقات الأسرية وتوفّر طرقاً جديدة للتفاعل بين أفراد الأسرة. هذا يساعد في بناء التواصل الإيجابي وتقوية الروابط بين الأعضاء.

ومع ذلك، يمكن أن يعكس استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً تأثيراً سلبياً على العلاقات الأسرية. قد يؤدي الانشغال المستمر بوسائل التواصل الاجتماعي إلى تقليل الوقت المخصّص للتفاعل الحقيقي والوجود الحضوري بين أفراد الأسرة. قد يجد الأفراد أنفسهم مشغولين بالتصفّح والتفاعل الافتراضي في حين أنهم جسدياً متواجدون في نفس الغرفة، مما يؤثر على جودة الاتصال والتواصل العاطفي، كما أن الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي يسبّب مشاكل في العلاقات الأسرية. يظهر هذا بشكل واضح في زيادة الفجوة بين الأجيال، الآباء يجدون صعوبة في فهم سلوكيات أبنائهم بسبب التأثيرات الرقمية، والوسائل الاجتماعية تسبّب صعوبات في التواصل بين الأجيال، الآباء يرغبون في فهم تأثير هذه الأدوات على أبنائهم. هذا يؤدي إلى شعور بالعزلة والافتقار للفهم.

وقد أظهرت الدراسات أن الاستخدام السلبي للتواصل يهدد الحياة الأسرية. من بين هذه المخاطر: الإلهاء أثناء الجلوس مع العائلة، مما يُعيق التواصل الفعلي، وتزايد النزاعات الأسرية نتيجة لعدم التفاهم حول استخدام وسائل التواصل، والتأثيرات السلبية على الصحة النفسية للأفراد بسبب الاعتماد المفرط على هذه الوسائل.

بالإضافة إلى ذلك، يُمكن أن يؤدي التواصل الاجتماعي إلى زيادة التوتر والصراعات الأسرية، فمن السهل على الأفراد التعبير عن آرائهم ومشاعرهم بحرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى حدوث خلافات والاعتراضات بين أفراد الأسرة. كما يمكن أن يؤدي الاعتماد الزائد على وسائل التواصل الاجتماعي إلى انعزال الأفراد وعدم القدرة على التواصل الاجتماعي الحقيقي في المجتمع. قد تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على الخصوصية الأسرية. قد تتم مشاركة العديد من التفاصيل الشخصية والحياة الأسرية عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما يؤثر على حق الأفراد في الحفاظ على خصوصيتهم ويمكن أن يؤدي إلى حدوث صراعات ومشاكل داخل الأسرة.

في عصر التحول الرقمي، أصبح من الضروري اتباع استراتيجيات لحماية العلاقات الأسرية، من خلال التوازن الرقمي، والتواصل الفعال، والانخراط في الأنشطة العائلية. يُمكن للأسر الحفاظ على الوعي الأسري. هذا يساعد في تقوية الروابط العاطفية بين أفرادها.

لذا؛ يجب على الأُسر أن تتبنّى بعض السلوكيات الصحية للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي؛ على سبيل المثال، وضع قواعد لاستخدام الأجهزة الرقمية أساسي. الآباء والأمهات يجب أن يكونوا مثالاً في الالتزام بهذه القواعد وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة العائلية التقليدية مهم، مثل تناول الوجبات معاً.

كما يُمكن تحديد وقت محدد لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتخصيص أوقات خالية منها للتفاعل الحقيقي والتواصل الأسري. ينبغي أن تكون هناك قواعد محددة بشأن الحفاظ على الخصوصية وعدم مشاركة تفاصيل حساسة عبر المنصات العامة.

فالأُسر يُمكنها تعزيز التواصل الفعّال من خلال مناقشات حول التكنولوجيا. هذا ينمّي الوعي الأُسري ويساعد في اتخاذ قرارات واعية بشأن التوازن الرقمي.

“إن تحقيق التوازن بين الحياة الرقمية والحياة الواقعية هو المفتاح لحماية العلاقات الأسرية في العصر الحالي”.

الأُسرة تلعب دوراً حيوياً في التصدي للتحديات الرقمية. من خلال استراتيجيات مدروسة، يمكن للأسر المحافظة على قوة روابطها، هذا ينمّي الوعي الأسري في ظل التطورات التكنولوجية الرقمية السريعة.

علاوة على ذلك، يجب على الوالدين أن يكون لهما دور محوري في حياة أطفالهم وأن يشجعا على التواصل الحقيقي والتفاعل الاجتماعي. يمكن تنظيم أنشطة عائلية مشتركة والاستمتاع بالوقت معاً بدون تشتيت الانتباه بوسائل التواصل الاجتماعي.

في الختام؛ يقع على عاتق الوالدين مسؤولية كبيرة في توجيه أفراد الأسرة نحو الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي. من خلال وضع قواعد واضحة وتقديم القدوة الحسنة، يُمكن للآباء والأمهات المساهمة في تعزيز الروابط الأسرية وحماية أطفالهم في ظلّ التحديات الرقمية المعاصرة.

كما يُمكن القول بأن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير متنوّع على العلاقات الأُسرية. يعتمد التأثير على كيفية استخدامها والوعي بأهمية الواقع الحضوري والتواصل الحقيقي في بناء علاقات صحية داخل الأسرة. ينبغي أن يتعامل الأفراد مع وسائل التواصل الاجتماعي بحذر ووعي للحفاظ على التوازن بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي، وضمان أنها تساعد في تعزيز واستقرار الروابط الأسرية بدلاً من عرقلتها وتدهورها. ومن ثم، فإن ترشيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى أفراد الأسرة من شأنه أن يدعم التفاعل الأسري وسيادة مناخ الحوار والتشاور في كل الشؤون الأسرية، بما يعمق الشعور بالمسؤولية الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *