حسن الستري

تحفّظت الحكومة على مشروع قانون مقدَّم من مجلس النواب يهدف، بحسب مذكرته الإيضاحية، إلى تحقيق الاستفادة الأكبر من المساعدات المقدمة لمستحقي الضمان الاجتماعي، والعمل على تحقيق الكفاية اللازمة لهم وحمايتهم من العوز، وذلك من خلال اشتراط أن يكون القريب المقتدر الملزم بالإنفاق على المستحق للمساعدة الاجتماعية غير متزوج، كون المتزوج يتحمّل تكاليف وأعباء قد لا تسمح له بتقديم المساعدة لأقاربه، أو ترهق كاهله. كما يهدف إلى زيادة المساعدة الاجتماعية بنسبة لا تقل عن 10% كل ثلاث سنوات لمواجهة ظاهرة غلاء الأسعار والخدمات.

ورأت الحكومة أن مشروع القانون المقترح يشكّل مساساً بمبدأ وحدة التشريع وضرورة انسجام النصوص القانونية ضمن المنظومة التشريعية، ذلك أن الأصل في ممارسة المشرع لسلطاته عند سنّ التشريعات أنها سلطة تقديرية ما لم تكن مقيّدة بضوابط دستورية، إلا أنه على المشرّع أن يأخذ بعين الاعتبار التشريعات القائمة ذات الصلة، والوقوف على طبيعة الأمر المراد تنظيمه، بحيث لا يتم قراءة التشريع الجديد أو مشروع القانون بمعزل عن التشريعات الأخرى، حتى لا يصطدم نص تشريعي مع نص تشريعي آخر على نحو يجعل الجمع بينهما أمراً غير ممكن، على الرغم من وضوحهما إذا تم النظر إلى كل واحد منهما على حدة.

ومن هذا المنطلق، تشير الحكومة إلى أن مشروع القانون، فيما تضمنه من وضع شرط لاستحقاق المساعدة الاجتماعية التي تقدمها الدولة لمواطنيها بهدف تأمين العيش الكريم لهم، وهو ألا يكون المستحق لهذه المساعدة قريبًا غير متزوج ملزماً بالإنفاق عليه شرعاً، لا يتّسق مع أحكام قانون الأسرة الصادر بالقانون رقم (19) لسنة 2007، والذي نظّم أحكام نفقة الأقارب تنظيماً متكاملاً في المواد من (62) حتى (67) منه، وألزم بها العائل بغض النظر عن حالته الاجتماعية، سواء كان متزوجاً أو غير متزوج.

وبالتالي، فإن إدخال شرط “عدم الزواج” في نص تشريعي آخر يرتبط بنفس الموضوع (النفقة)، يُخلّ بمبدأ وحدة التشريع، ويخلق ازدواجية قانونية قد تُربك القضاء والإدارة في تفسير الأحكام وتطبيقها، ويفضي إلى تضارب بين النصوص، رغم وضوح كل منها على حدة.

ولفتت إلى أن التعديل قام على افتراض غير دقيق يفتقر إلى أساس واقعي أو تشريعي معتبر، إذ يقوم التعديل المقترح على افتراض ضمني مفاده أن القريب غير المتزوج هو الأقدر على الإعالة، بينما يُفترض أن المتزوج مثقل بالتزامات مالية واجتماعية تُعفيه من واجب الإنفاق. وهذا الافتراض لا يستند إلى أساس واقعي أو تشريعي سليم، ولا يراعي التفاوت الكبير في الأوضاع المالية والالتزامات الفردية داخل كل من الفئتين.

ذلك أن التمييز في مدى أهلية القريب لتحمل النفقة على أساس حالته الاجتماعية، سواء كان متزوجاً أو غير متزوج، لا يستند إلى معيار موضوعي أو منطقي له صلة مباشرة بقدرته الفعلية على الإعالة، فالحالة الزوجية ليست مؤشراً حتمياً على الملاءة المالية أو خلو الذمة من الالتزامات، إذ قد يكون القريب غير المتزوج مثقلاً بالتزامات مالية أو اجتماعية تعادل أو تفوق التزامات القريب المتزوج، كإعالة والديه أو إخوته أو سداد ديون أو التزامات تعاقدية قائمة. فمن هنا، فإن اعتماد معيار “عدم الزواج” كضابط لاستحقاق المساعدة الاجتماعية يفضي إلى نتائج غير دقيقة وغير عادلة، ويُخالف الأسس العامة للتشريع التي تقتضي أن تُبنى القواعد القانونية على وقائع قابلة للقياس والتقدير الموضوعي، لا على افتراضات عامة لا تصمد أمام التحقق الواقعي.

كما أن هذا التوجّه يؤدي إلى اختلال في توزيع الالتزامات داخل المجتمع، حيث يُعفى بعض المقتدرين من المسؤولية دون مبرر سوى حالتهم الاجتماعية، مما يُحمّل الدولة أعباء إضافية يمكن للأسرة أن تتحمّلها وفقاً للقواعد الشرعية والمدنية القائمة، التي جعلت مناط الالتزام بالإنفاق هو القدرة المالية لا غير.

ورأت الحكومة أن هذا التعديل المقترح لا يحقق التوازن المطلوب بين أفراد المجتمع، ولا يراعي العدالة في توزيع الأعباء، ويفتقر إلى معايير موضوعية يمكن ضبطها.

ونوّهت الحكومة إلى أن مشروع القانون المقترح لم يُراعِ الآثار المالية والاقتصادية المترتبة عليه، ذلك أن مشروع القانون فيما تضمنه من تقرير زيادة المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة بنسبة لا تقل عن (10%) كل ثلاث سنوات، فضلاً عما يكتنفه من غموض وإبهام، إذ لم يُقرّر نسبة ثابتة لهذه الزيادة، لم يأخذ بعين الاعتبار الآثار المالية والاقتصادية التي قد تترتب عليه حال إقراره، حيث إنه يستتبع بحكم اللزوم تحميل الحكومة التزامات وأعباء مالية جديدة لم تكن مقررة سابقاً، وهو ما سيكون له تأثيره المباشر على قدرة الحكومة على توفير خدماتها للمواطنين بشكل مستدام، وعلى الأخص تحقيق الأولوية الخاصة برفع المستوى المعيشي للمواطنين بما يحافظ على مكتسباتهم من خلال تطوير برامج الدعم المالي والاقتصادي، كما يعيق خططها لرفع كفاءة الأداء المالي في ظل ما تواجهه من تحديات اقتصادية، والتي تعمل على مواجهتها من خلال برنامجها وصولاً إلى اقتصاد مستدام يقوم على التنافسية والعدالة.

ومن المستقر عليه أن إدخال أي تعديل على قانون قائم يكون بذات الإجراءات والضوابط التي تسري على القانون الأصلي، تطبيقًا للقاعدة الأصولية التي تقضي بأن الفرع يتبع الأصل، ويسري عليه ما يسري على الأصل من أحكام. وعليه، فإنه إذا ما أوجب الدستور موافقة الحكومة على أي اقتراح بتعديل الميزانية العامة، فإن هذا القيد يسري كذلك على أي مشروع قانون يكون من شأنه زيادة الأعباء المالية على عاتق الخزانة العامة أو الانتقاص من إيراداتها، لتأثير هذه الأعباء في الميزانية العامة ومساسها بها. ومن ثم، يجب الاتفاق المسبق مع الحكومة على أي مشروع قانون قد يترتب عليه زيادة الأعباء المالية على عاتق الخزانة العامة أو الانتقاص من إيراداتها وفقاً لما سلف بيانه.

وأكدت الحكومة التزامها الدائم بتقديم الدعم الاجتماعي من خلال آليات مستدامة تحقق التوازن بينه وبين الحفاظ على استدامة الموارد المالية للدولة، مبيّنة أنها قد خطت خطوات جادة نحو توفير منظومة حماية اجتماعية متكاملة كفلتها، وقدّمتها للمواطنين كافة على قدم المساواة، وبالأخص الفئات الأكثر احتياجاً، وذلك عبر برامج الدعم المختلفة. إلا أنها خلصت إلى ضرورة إعادة النظر في مشروع القانون في ضوء ما تضمنته هذه المذكرة من ملاحظات.

شاركها.