في الآونة الأخيرة، برزت ظاهرة مصورة عبر منصات التواصل الاجتماعي وبالأخص “تيك توك”، حيث يلتقط بعض المستخدمين أنظار الجمهور من خلال تحديات غير لائقة بالأعراف، بعضها يصل حد التعرّض للكرامة الإنسانية، حيث يأتي الدافع الأساسي غالباً هو للتفاعل والمشاهدات البالغة، التي قد تتسبب في مكاسب مادية مباشرة أو دعم مالي من المتابعين، وأحياناً هدايا خلال البث المباشر.
هذه الظاهرة تعكس أزمة في التوازن بين حرية التعبير وخطورة المحتوى غير اللائق والمنافي للعادات والتقاليد.
مواقف السلطات البحرينية
السلطات الأمنية أكدت أنها لا تتهاون مع أي تجاوز للآداب العامة، خاصة عندما يُجسد في بث حي، فقد تم إيقاف شخص ظهر وهو يدخل رأسه في مرحاض خلال بث على تيك توك، في حادثة أثارت انتقاداً واسعاً، واعتبرت منافية للذوق العام.
كما أعلنت إدارة الجرائم الإلكترونية أنه تم القبض على عدة أشخاص في قضايا مشابهة تتعلق بنشر محتوى مسيء وغير لائق عبر وسائل التواصل، وأن التحقيق لا يزال جارياً في الكثير من هذه الحالات.
حرية التعبير لا تعني تجاوز حدود الذوق العام والقيم المجتمعية
أكد المحامي فريد غازي أن مملكة البحرين تلتزم بحرية الرأي والتعبير ضمن إطار القانون، مشدداً على ضرورة الالتزام بالقوانين التي تحمي مبادئ وعادات وتقاليد المجتمع البحريني والمبادئ الإسلامية والأخلاقية، موضحاً أن تجاوز هذه القوانين، خاصة فيما يتعلق بالذوق العام والآداب، لا يُعتبر حرية تعبير، بل خرقاً واضحاً للنظام الاجتماعي والقانوني.
وأشار غازي إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل اليوم شريحة واسعة من المجتمع، وأهمها الشباب والأطفال، وهي بالتالي تؤثر بشكل مباشر على نشأتهم وتشكيل وعيهم، محذراً من خطورة هذه الوسائل في حال غياب الرقابة الفعالة من قبل أجهزة الدولة والأسرة، ما يجعلها منطلقاً لممارسات قد تضر بالقيم المجتمعية.
وأوضح أن هذه الأفعال تؤثر إلى حد بعيد على فئة الأطفال قبل الشباب، حيث يؤدي المحتوى المنشور على هذه المنصات إلى التقليد وزرع مفاهيم ومبادئ مغلوطة في المجتمع، مؤكداً أن القوانين المحلية، مثل قانون العقوبات وقانون إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تجرم مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية التي تتنافى مع العادات والتقاليد المجتمعية.
ونبه غازي إلى أن هذه الظاهرة ليست محلية فقط، بل هي ظاهرة عالمية، حيث تحدث مثل هذه التصرفات عمداً بهدف الحصول على “الترند” أو الانتشار السريع على الإنترنت، مع المجاهرة بمخالفة الذوق العام.
ولفت إلى أن المسؤولية أصبحت مشتركة بين الجهات الحكومية المعنية والأسرة، إضافة إلى دور المساجد والمآتم وجمعيات المجتمع المدني، في الحد من هذه الممارسات غير الأخلاقية، التي تتعارض مع قيم المجتمعات الإسلامية المحافظة.
التأثير السلبي على العادات والتقاليد البحرينية
البحرين، على مرّ عقود، عرفت بتمسك أهلها بالذوق العام واحترام الآخرين في المجال العام والخاص، غير أن انتشار مثل هذه التحديات يُضعف من هذه الصورة، ويعطي انطباعاً مغلوطاً لدى المتابعين من خارج البلاد عن طبيعة المجتمع البحريني.
كما أن تكرار عرض هذه التصرفات قد يؤدي إلى تطبيعها في أذهان بعض الفئات، بحيث تصبح مألوفة أو مقبولة بمرور الوقت، وهو ما يشكل خطراً على النسيج الاجتماعي.
وتزداد خطورة هذه الظاهرة مع سهولة انتشارها وسرعة تداولها عبر الهواتف الذكية، حيث يمكن لأي شخص في أي وقت مشاهدة هذه المقاطع، ما يضاعف من أثرها السلبي على القيم العامة، ويجعل من الضروري التصدي لها بوعي مجتمعي وجهود تنظيمية وقانونية مشتركة.
تأثير المحتوى غير الأخلاقي على الجيل الناشئ
تشير الإحصائيات الرسمية الحديثة في مملكة البحرين إلى أن ثلث السكان البحرينيين تقريباً هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة، بنسبة تصل إلى 33%، حيث يبلغ عدد الشباب والأطفال البحرينيين دون سن 35 حوالي 452625 نسمة، ما يشكل حوالي 62% من إجمالي السكان، وهو ما يعكس الكثافة الشبابية للمجتمع البحريني.
هذا التركيب السكاني يجعل الشباب والأطفال الفئة الأكثر تفاعلاً وتأثراً بالمحتوى المعروض عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك، التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وعليه، فإن انتشار التحديات غير الأخلاقية والمخالفة للآداب العامة على هذه المنصات يشكل تهديداً حقيقياً لتنشئة هذه الفئة المهمة من المجتمع.
إن تعرض الشباب، الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان، إلى محتوى غير لائق يخلق لديهم تصوراً خاطئاً عن سبل تحقيق الشهرة أو النجاح، ويغريهم بتقليد ما يشاهدونه، مما يؤدي إلى غرس مفاهيم ومبادئ مغلوطة قد تضر بصحتهم النفسية والاجتماعية، وتُبعدهم عن القيم والتقاليد التي نشأ عليها المجتمع البحريني.
كما تؤكد هذه الأرقام الكبيرة أهمية الرقابة الأسرية والمجتمعية على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب التشديد القانوني من قبل الجهات المختصة، لضمان حماية النشء من الانزلاق في أفعال قد تؤدي إلى تدهور القيم الاجتماعية والثقافية.
وهكذا، يشكل الشباب البحرينيون أكثر من نصف المجتمع، وهذا يستوجب جهوداً متكاملة من الأسرة، المدرسة، والمؤسسات الحكومية والمجتمعية، لاحتواء تأثير المحتوى غير الأخلاقي وحمايتهم من مخاطر التقليد السلبي، بما يضمن استمرار ترسيخ الهوية والقيم الوطنية الأصيلة.
عدد مستخدمي “تيك توك” في البحرين وتأثيره في انتشار هذه الممارسات
تشير البيانات الرسمية الصادرة عن منصة «Datareportal» إلى أن عدد مستخدمي تطبيق “تيك توك” في مملكة البحرين تجاوز 1.19 مليون مستخدم فوق سن 18 عاماً في أوائل عام 2025، حيث يأتي هذا الرقم الكبير ليعكس الشعبية المتزايدة للمنصة بين مختلف فئات المجتمع البحريني، مما يجعلها بيئة مؤثرة تنتشر فيها الأفكار والسلوكيات بسرعة هائلة.
وتأتي هذه الأرقام لتسلط الضوء على حجم الجمهور الذي يشاهد ويتفاعل مع المحتوى المنشور على “تيك توك”، بما في ذلك التحديات التي قد تكون غير ملائمة أو مخالفة للقيم المجتمعية، وبالتالي، فإن زيادة عدد المستخدمين تزيد من الحاجة الماسة لرقابة فعالة وتوعية مستمرة تحمي المجتمع، خاصة الفئات الشابة، من التأثر السلبي بهذه الظواهر الرقمية.
تصرفات دخيلة
أكدت سارة أحمد، وهي طالبة جامعية، أن هذه الممارسات تعد إساءة مباشرة لقيم وعادات المجتمع، مشيرة إلى أنه من المؤسف أن يصل البعض إلى هذا المستوى لمجرد الحصول على مشاهدات أو مبالغ مالية.
وشددت أن المجتمع البحريني معروف بأصالته وأخلاقه العالية، وهذه التصرفات دخيلة عليه، ولا تمت له بصلة، مضيفة أن على الشباب أن يستثمروا وقتهم في محتوى هادف يرفع من مستواهم الفكري والثقافي بدلاً من الانشغال بما يضر صورتهم وسمعتهم.
أما محمد عيسى، فقد قال: “نحن نعيش في مجتمع محافظ له قيمه وأعرافه، ومن المؤسف أن يستغل البعض المنصات الإلكترونية لعرض سلوكيات تخالف هذه القيم”.
وأكد محمد أن وجود قوانين رادعة أمر ضروري، ولكن الأهم هو وعي الفرد ومسؤوليته تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.
بدوره، أشار خالد جاسم، وهو أب لثلاثة أطفال، إلى مخاوفه الكبيرة من تأثير هذه التحديات على النشء، موضحاً: “أطفالي يستخدمون الهواتف ويتصفحون هذه التطبيقات، وأخشى أن يظنوا أن هذه الممارسات طبيعية أو وسيلة مقبولة للفت الانتباه، ونحن كآباء وأمهات نقوم بدور كبير في التربية، لكن عندما تأتي مثل هذه المحتويات، وتعرض لهم بشكل متكرر، فإنها تهدد ما نحاول غرسه من قيم وأخلاق”.
وشدد خالد على ضرورة تعاون المجتمع والأسرة والجهات الرسمية لحماية الأجيال الجديدة من الانجراف وراء المحتوى المسيء.