جرّب أن تعيش ببطء – الوطن
أميرة صليبيخ
في زخم الحياة السريعة التي نعيشها، وكل المنصات الإعلامية التي تخترق حواسنا من أجل أن تنال ثواني من اهتمامنا ووعينا، أقف حائرة ومرتبكة من فوضى الحواس هذه، والعجالة التي نلاحق بها الأشياء. فلا أعلم هل الأيام تمر بنا أم نحن الذين نمر من خلالها لاهثين خلف كل شيء ولا شيء. فكثير من المواقف تحدث أمامي، أنسى ما دار فيها من كلام قبل انتهائها، وكثير من النعم تنهال عليّ وأخجل من أني لا أتوقف لشكرها واستشعارها بعمق، فتفرط هذه المواقف والذكريات مثل سبحة مقطوعة وسرعان ما أركب موجة أخرى وألهث وراء اللحظة التالية، فنحن لا نعيش اللحظ الحالية.
نحن نعيش من أجل اللحظة المستقبلية أو في اللحظة الماضية وهو نمط حياة مرهق لا يفضي إلى مكان.
وبالرغم من أن السرعة ومطاردة الوقت مطلوبة لإنجاز الأمور، لكنها مع الوقت تخلق قلقاً وتوتراً لا يمكن أن تفلت من قبضته، ويمكن أن يتحول بمرور الوقت إلى أمراض جسدية أو نفسية أنت في غنى عنها. ولذلك البطء مطلوب حتى تستعيد اتصالك باللحظة، وبنفسك وتستوعب ما يجري حولك وتحدد أولوياتك، فلا داعي للركض خلف كل مهمة وكأنها مسألة حياة أو موت. جرب أن تترجل من قطار السرعة هذا وتعيش بتروٍّ وهدوء.
أذكر اقتباساً من رواية الخيميائي يقول فيه “إنني حَيٌّ: عندما آكل، لا أفعل شيئاً آخر سوى الأكل وعندما يحين وقت السير، أسير، هذا كل شيء… وإذا اقتضى الأمر يوماً، أن أقاتل، فيغدو أيُّ يومٍ يساوي أيَّ يومٍ آخر حيال الموت، لأنني لا أحيا فـي ماضيَّ، ولا فـي مستقبلي. ليس لي سوى الحاضر، وهو، وحده، ما يهمّني. إذا كان باستطاعتك البقاء، دائماً، فـي الحاضر، تكون، عندئذ، إنساناً سعيداً” وبحسب مفهومنا في هذا الوقت فقد كان الخيميائي يقصد أن تعيش ببطء وتستمتع بما تفعله وتمنحه كامل اهتمامك ووعيك.
قد يبدو الأمر بسيطاً بالقول ولكنه صعب عند التطبيق فمن منا يستطيع الجلوس أمام وجبته دون أن يكلم من حوله أو يمسك جواله أو يشاهد الآخرين ويسرح في أفكاره عنهم؟ لذلك نحتاج للتدرب على العيش ببطء.
لا أقول بأن العمل بسرعة هو أمر خاطئ ولكن من الجيد أن تترفق بنفسك وتدعها تتوقف عند كل لحظة وتنفسها بوعي. جرب من الآن أن تشرب قهوتك على مهل، وأن تمشي ببطء وتتأمل الأشجار بتمعّن وتتكلم بهدوء، وتستشعر نعم الله عليك، ستجد أنك بدأت تعيش بشكل أعمق وأمتع.