سيد حسين القصاب

مع اقتراب ذروة الصيف وارتفاع درجات الحرارة في مملكة البحرين، يتجدد القلق من تزايد حوادث الحريق التي باتت تشكّل خطراً حقيقياً على الأرواح والممتلكات، وتزداد هذه المخاوف تحديداً في ظل استمرار الخروقات الواضحة لاشتراطات الأمن والسلامة، خصوصاً في مساكن العمال التي تتحول في كثير من الأحيان إلى «قنابل موقوتة»، تنفجر في لحظة واحدة لتترك خلفها مأساة إنسانية ومادية.

وما بين الإهمال في الصيانة، والتحميل الكهربائي الزائد، والتكدس البشري داخل أماكن سكنية غير مؤهلة، تظهر سلسلة من الحوادث المؤلمة التي تواجهها فرق الدفاع المدني، والتي تعمل على مدار الساعة للتعامل مع البلاغات المتزايدة. ولا يخفى على أحد أن هذه الظاهرة، التي تتكرر كل صيف، تمثل تحدياً للأجهزة المعنية، وتدق ناقوس الخطر تجاه ضرورة التحرك الفعّال لاحتواء هذه الأزمة والحد من أضرارها.

حوادث الحرائق بين أبريل ومايو

2025وفقاً لما تم رصده من حساب وزارة الداخلية عبر تطبيق X تنوّعت الحوادث بين حرائق في مساكن ومزارع ومركبات، ونتج عنها وفيات وإصابات متفاوتة، وقد تعاملت فرق الدفاع المدني مع عدة بلاغات، أبرزها:

1 حريق في مزرعة وعدة مركبات في عراد.

2 حريق بمبنى سكني في النعيم أسفر عن إنقاذ 3 أشخاص

.3 إنقاذ 4 أشخاص علقوا على سطح مبنى في النويدرات بعد نشوب حريق

.4 إخلاء مبنى سكني في المنامة بعد حريق بإحدى الشقق

.5 إخلاء مبنى سكني في اللوزي ونقل أحد المصابين للمستشفى

.6 إنقاذ 3 أشخاص من حريق في منزل بمنطقة الدية

.7 وفاة شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة ووالدته في حريق بشقة في الحجيات

.8 حريق في منزل بالقضيبية تطلّب إخلاء المباني المجاورة احترازياً

.9 وفاة شخص في حريق بإحدى غرف مزرعة في توبلي

.10 حريق بمركبتين في كراج منزل بسند

.11 حريق في حافلة صغيرة في اللوزي، تسبب في تضرر سيارة أخرى

.12 حريق مركبة على شارع الشيخ خليفة بن سلمان قرب منطقة سار.

وتمثل هذه الحوادث مؤشراً خطيراً على تصاعد حجم المخاطر الة بضعف التزام بعض الجهات والأفراد بمعايير السلامة، لاسيما في مواقع يكثر فيها التكدس والإهمال.

ارتفاع الحرائق يستدعي الحذر

أكد مدير عام الإدارة العامة للدفاع المدني، العميد ركن طيار علي الكبيسي، أهمية اتخاذ إجراءات الأمن والسلامة لتفادي الحرائق خلال فصل الصيف، مشيراً إلى أن التحميل الزائد على الكهرباء وعدم صيانة الأجهزة المنزلية يشكلان أسباباً رئيسة للتماسات الكهربائية المسببة للحرائق. وأوضح أن ارتفاع درجات الحرارة والأحمال الكهربائية الكبيرة يعززان من سرعة انتشار النيران، لافتاً إلى أن فرق الدفاع المدني تعاملت مع 1258 حادثاً في صيف 2023، وارتفع العدد إلى 1441 حادثاً في صيف 2024، وهو ما يعكس تصاعد وتيرة هذه الحوادث بشكل مقلق. ودعا العميد الكبيسي إلى تجنّب تشغيل عدة أجهزة على مصدر كهربائي واحد، وفصل الأجهزة غير المستخدمة لتقليل استهلاك الكهرباء وخطر اندلاع الحرائق، مؤكداً أهمية الصيانة الدورية للتوصيلات الكهربائية وجودتها. كما شدد على ضرورة فحص نظام التبريد في المركبات وإجراء صيانتها بشكل منتظم، مؤكداً أن الالتزام بهذه التوصيات يسهم في الوقاية وتقليل الخسائر في حال حدوث الحريق.

مساكن العمال تحت المجهر

من جانبه، أوضح رئيس مجلس المحرق البلدي، عبدالعزيز النعار، أن معظم حوادث الحريق تحدث في مساكن العمال، مرجعاً ذلك إلى غياب التزامهم بإجراءات السلامة، إذ يعمد البعض إلى تحميل الكهرباء بأكثر مما تحتمل، ما يؤدي إلى ضغط وانفجار. وأشار إلى أن بعض العمال يستخدمون أجهزة كهربائية قديمة، مثل مكيفات الهواء التي تُخُلِّص منها من قبل الأهالي، وهي أجهزة تستهلك طاقة عالية، وتزيد احتمالية حدوث تماس كهربائي، لاسيما في ظل ضعف التوصيلات الكهربائية داخل هذه المباني.

ولفت إلى أن نظام «النوبات» السكني، الذي يجعل الشقق مأهولة على مدار اليوم، يزيد إجهاد التيار الكهربائي، ويشكل بيئة غير آمنة تماماً. وأكد وجود تقصير من بعض المؤجرين الذين لا يراقبون أوضاع المباني، ولا يفرضون قيوداً على عدد السكان في كل غرفة. وأضاف أن المجلس البلدي شكّل لجنة مشتركة بالتعاون مع الجهات المعنية لتنفيذ حملات تفتيشية، مع استقبال البلاغات واتخاذ الإجراءات، إلا أن حجم المخالفات كبير، ويحتاج إلى وعي من العمال والمؤجرين على حد سواء

ضرورة الرقابة والمتابعة

من جهته، أوضح رئيس مجلس المنطقة الجنوبية عبدالله عبداللطيف أن أغلب الحوادث تنتج عن ضعف إجراءات السلامة في مساكن العمال، مؤكداً أن الأسباب تتراوح بين تسربات الغاز، والضغط العالي على الكهرباء، وتكدس الملابس، والتدخين داخل الحجر، إضافة إلى غياب الوعي لدى العمال بأهمية السلامة والنظافة. ودعا إلى ضرورة تكثيف الرقابة من قبل الجهات المختصة.واقترح وضع «ستيكرات» على المباني تشير إلى مدى التزامها بإجراءات السلامة، بحيث يُعرف السكن إذا ما كان مخالفاً أو منضبطاً، ويتم فرض الغرامات وإجبار المخالفين على تصحيح أوضاعهم.

مسؤولية جماعية

بدوره، أكد رئيس اللجنة القانونية والمالية بمجلس المحرق العضو البلدي أحمد المقهوي أن الحملات التفتيشية قائمة بالفعل في المحافظة، ويتم استقبال شكاوى المواطنين والتعامل معها فوراً، لكنه شدد على أن حجم العمل كبير، ويحتاج إلى تكاتف كل الجهات المعنية.

وأضاف أن المجلس البلدي لا يتوانى في تقديم التوصيات والحلول لمواجهة هذه الحوادث، مؤكداً أن الحرائق لا تقتصر على مساكن العمال فقط، بل تشمل أيضاً مساكن المواطنين، وهو ما يستدعي استمرار التوعية والتنظيم لتقليل احتمالات نشوب الحرائق في المستقبل.

دروس من الماضي القريب من أبرز الحوادث السابقة التي مازالت محفورة في ذاكرة المجتمع البحريني:

انهيار مبنى عراد نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مطعم لم يلتزم باشتراطات الأمن والسلامة، حيث أسفر الحادث عن وفاة شخص وإصابة أربعة آخرين، فيما أنقذ الدفاع المدني شخصين من تحت الأنقاض.

حريق سوق المنامة الذي أودى بحياة رجل وامرأتين، وأسفر عن إصابة 9 أشخاص واختناقهم، فيما التهمت النيران أكثر من 25 محلاً تجارياً ومباني مجاورة، بعد أن بدأت من مبنى مكون من 3 أدوار، وامتدت بسرعة كبيرة.

الحل يبدأ بالالتزام

تمثل حوادث الحريق المتكررة في البحرين، وخصوصاً في مساكن العمال، ناقوس خطر يجب أن يُؤخذ على محمل الجد، ليس فقط من الجهات الحكومية، بل من المجتمع بأكمله، من مؤجرين وسكان ومسؤولين.

ولابد من التحرك العاجل؛ لأن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات حاسمة أكثر صرامة على مستوى التشريعات والتنفيذ، لفرض الالتزام التام بإجراءات السلامة، ومحاسبة كل من يتهاون في هذا الملف الحيوي. ولايزال فصل الصيف في بدايته، والحرارة في تصاعد مستمر، مما يعني أن احتمالات الحوادث قائمة إذا لم يُتخذ الحذر الكافي.إن حماية الأرواح والممتلكات تتطلب تضافراً فعلياً بين مختلف الجهات والقطاعات، وليس فقط إطلاق التحذيرات بعد وقوع الكارثة.والوقاية هي خط الدفاع الأول، وهي مسؤولية الجميع دون استثناء.

شاركها.