في قلب البحرين، حيث تلتقي ضفاف التاريخ مع تيارات الحاضر، أُضيئت منارة جديدة بافتتاح كلية عبدالله بن خالد للدراسات الإسلامية، برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حيث أناب صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، معالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء للافتتاح، بصفته الرسمية وبصفته الابن الذي يواصل إرث والده، ويشهد ميلاد صرح أكاديمي يحمل اسماً خالداً في ذاكرة الوطن.

الكلية التي شهد افتتاحها معالي وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة ورئيس المجلس الأعلى للصحة الفريق طبيب الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة ووزير المالية والاقتصاد الوطني الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة ووزير التربية والتعليم الدكتور محمد جمعة وعدد من أصحاب السمو والسعادة والفضيلة، ليست مجرد مؤسسة جامعية أو مبنى أكاديمي، بل مشروعاً فكرياً ومنارة حضارية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، تقدم فرصة ذهبية للراغبين في التخصصات الشرعية، وتؤهلهم ليكونوا قوة فكرية وأخلاقية تسهم في نهضة المجتمع وحماية هويته، وهي تؤمن بأن التعليم يمكن أن يكون لغة سلام، وأن المناهج الدراسية قادرة على مد جسور التفاهم بين المذاهب والثقافات، ولهذا صُممت برامجها بروح متوازنة تمزج بين علوم الدين والمقاربات العقلية، وتفتح باب الاجتهاد أمام طلاب ينشدون الحقيقة بعيداً عن التعصب.

اليوم، تحتضن الكلية أكثر من 240 طالباً وطالبة، وقد تخرجت منها ثلاث دفعات بلغ مجموعها نحو 170 خريجاً، انطلق كثير منهم إلى تخصصات استراتيجية مثل القضاء الشرعي، والشريعة الإسلامية، والصيرفة الإسلامية، ما يعكس التزام الكلية بتخريج كوادر مؤهلة تجمع بين أصالة الدين ومرونة الفهم المعاصر، وقادرة على مواجهة التحديات القانونية والاقتصادية والاجتماعية بروح علمية وأخلاقية.

ولا يمكن الحديث عن هذا النجاح دون الإشادة بمجلس أمناء الكلية، الذين بذلوا جهوداً مميزة لضمان نهضة هذا الصرح وتطوير برامجه ومخرجاته، بإشراف ومتابعة حثيثة من رئيس مجلس الأمناء وزير التربية والتعليم الدكتور محمد جمعة، الذي يحرص على أن تواكب الكلية أعلى معايير التعليم الجامعي، وأن تكون نموذجاً في الجمع بين الجودة الأكاديمية والرسالة المجتمعية والتي تؤكد عليها الهيئة الإدارية والأكاديمية بالكلية ممثلة في عميدها الدكتور حمد العبدالله من خلال المسيرة الأكاديمية والتعليمية في الكلية حيث المخرجات التي تؤكد على أهداف ورؤية كلية عبدالله بن خالد ورسالتها السامية.

رسالة الكلية أعمق من منح الشهادات، فهي تسعى لصناعة جيل مسلح بالعلم الشرعي الموثوق، قادر على التصدي للتحريفات وكشف التزييف والدفاع عن ثوابت العقيدة وفق القرآن الكريم والسنة النبوية، مع الالتزام بأخلاق الإسلام السمحة، والانفتاح على الحوار واحترام التنوع، هذا التوازن بين الثبات والانفتاح يجعل خريجيها سفراء للتعايش وفرساناً للحق، يجيدون لغة الفهم قبل لغة الجدل.

واختيار اسم المغفور له بإذن الله تعالى سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رحمه الله لم يكن صدفة؛ فهذا الرجل الذي كرّمه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، لم يكن مجرد شخصية عامة، بل مدرسة فكرية وقانونية قائمة بذاتها؛ جمع بين العلم والقيادة، بين الفقه والقانون، وأسهم بعمق في صياغة النهضة الثقافية والتشريعية في المملكة كما كان له إسهامات جليلة في خدمة الوطن والدين الإسلامي واليوم، تتشرف الكلية بحمل اسمه، امتداداً لروحه التي آمنت دوماً بأن العدالة والمعرفة جناحا التحضر.

في إطار المشروع الإصلاحي للبحرين، تمثل الكلية خطوة عملية للحفاظ على النسيج المجتمعي، ليس بالشعارات، بل بالمعرفة الواعية التي تحول قيم التسامح من خطاب إلى ممارسة تعليمية، وتربط بين حماية الدين الحق وصون وحدة المجتمع، فهي تمنح الأجيال القادمة أدوات فهم الآخر بعمق، وترسخ أن التنوع ثروة لا تهديد.

مشهد الافتتاح كان رسالة في حد ذاته؛ مزيجاً من الرمزية الوطنية والبعد الإنساني، حيث امتزج الحضور الرسمي بالبعد العائلي، في لحظة اختزلت تاريخ وطن وصناعة مستقبل، لم يكن الأمر مجرد قص شريط، بل إعلان عهد جديد للتعليم الديني المنفتح، الذي يواجه التحديات بالبرهان ويحمل رسالة الإسلام الحق إلى العالم.

* إعلامية وباحثة أكاديمية

شاركها.