استقبل البيت الأبيض هذا الأسبوع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في زيارة رسمية تجسّد عمق الشراكة التاريخية بين المنامة وواشنطن. كانت الزيارة محطّة استراتيجية أطلقت تحولاً اقتصادياً نوعياً، تُوّج بحزمة استثمارية ضخمة تُقدّر بنحو 17 مليار دولار، وهي أكبر حزمة اقتصادية في تاريخ العلاقات الثنائية لترسي أُسس مرحلة جديدة من الازدهار المشترك.
ففي قلب هذه الزيارة، برز الجانب الاقتصادي كقاطرة تقود التعاون بين البلدين. جاء الإعلان عن الاستثمارات كتتويج لسنوات من الثقة المتبادلة، حيث تُغطي الاتفاقيات قطاعات حيوية تُحفّز التنويع الاقتصادي الذي تنتهجه البحرين بثبات، فلم تتوقف الاستثمارات عند الحدود التقليدية، بل امتدت إلى الحلول التقنية لشبكة المعلومات والاتصالات الحكومية من شركة «سيسكو» الأمريكية، وإنشاء كابل ألياف ضوئية بحري بطول 800 كلم، في شمال الخليج العربي يربط بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت والعراق، مع الشبكات العالمية.
كما تمّ الإعلان عن إطلاق رحلات مباشرة من مملكة البحرين إلى مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية وتعاون استراتيجي بين شركة ممتلكات البحرين القابضة وعدد من الشركات الأمريكية، بقيمة إجمالية تصل إلى 2 مليار دولار أمريكي، بهدف خلق فرص عمل في الصناعات التحويلية الة بالألمنيوم بالإضافة إلى استثمار 10.7 مليار دولار أمريكي من عدد من المؤسسات المالية ومؤسسات القطاع الخاص بمملكة البحرين في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي إطار تعزيز هذه الشراكة الاقتصادية، جاء توقيع “الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار” لتربط بين الأمن والتنمية الاقتصادية برؤية متكاملة، حيث يُعدّ الاستقرار شرطاً أساسياً لجذب الاستثمارات. كما أن انضمام المملكة المتحدة لهذه الاتفاقية، سيفتح آفاقاً أوسع للتكامل الاقتصادي العالمي.
ولم تكن هذه الاستثمارات الضخمة لترى النور لولا الرؤى السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، والعمل الدؤوب والجهود المخلصة التي يبذلها أعضاء فريق البحرين بقيادة سمو ولي العهد رئيس الوزراء، وكذلك البيئة الجاذبة التي صنعتها البحرين عبر سجلها الحافل في التسامح والاستقرار. فنهج التعايش الذي تتبناه المملكة، وتحويلها التنوع الثقافي إلى جسر للتواصل الدولي، جعلاها شريكاً اقتصادياً موثوقاً.
هذه الزيارة التاريخية برغم أبعادها السياسية والأمنية تُختزل في جوهرها الاقتصادي 17 مليار دولار استثماراً في مستقبل البحرين وأمريكا معاً، إنها صفقة تضع التنمية في قلب الأولويات، وتُحوّل الشراكة الاستراتيجية إلى نموذج ملموس للتعاون الاقتصادي القائم على المنفعة المتبادلة، فبينما تُعزّز الاتفاقيات الأمنية ثقة المستثمرين، تُطلق الاستثمارات طاقات النمو، لتُقدّم البحرين للعالم درساً في كيفية تحويل الجغرافيا الصغيرة إلى فرص اقتصادية لا حدود لها.