أسامة أحمد مدبولي

يُعدّ سلوك الرفض من أبرز التحديات التي يواجهها أولياء الأمور عند تربية الأطفال، ولا يختلف الأمر كثيراً لدى الأطفال من ذوي متلازمة داون. قد يبدو الأمر وكأنه مجرد عناد أو تمرد طفولي، لكنه في الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، إذ يرتبط بالتطور النفسي والعصبي والحسي، ويكشف عن محاولات الطفل للتعبير عن ذاته وسط صعوبات التواصل التي قد يواجهها.

لماذا يقول الطفل «لا»؟

تكرار كلمة «لا» لا يعني دائماً الرفض بمعناه المباشر. فالأطفال من ذوي متلازمة داون قد يستخدمونها للتعبير عن مشاعر مختلفة، منها:

الرغبة في الاستقلالية: الرفض هنا وسيلة لإبراز الذات والسيطرة على القرارات. صعوبات التواصل: «لا» تصبح التعبير البديل عندما لا يستطيع الطفل أن يقول «أنا لا أحب هذا الطعام» أو «أريد شيئاً آخر». الإرهاق أو القلق: أحياناً تكون «لا» انعكاساً لتوتر داخلي أو حاجة للراحة. التحديات الحسية: قد يكون السبب ملمس الملابس، أو صوتاً مزعجاً في البيئة، أو رائحة طعام غير مألوفة. طلب المساعدة: قد يخفي الطفل عجزه عن أداء مهمة ما وراء كلمة «لا»، وكأنه يقول «ساعدني» دون أن يمتلك القدرة اللغوية للتوضيح.

بين «لا أستطيع» و«لا أرغب»

التفريق بين الرفض الناتج عن العجز والرفض الناتج عن غياب الرغبة هو مفتاح التعامل الصحيح مع الموقف.

الطفل الذي لا يستطيع غالبًا يحاول قبل أن يتوقف محبطاً، بينما الطفل الذي لا يرغب يتجنب المهمة منذ البداية أو يقترح بديلاً آخر. هنا يكمن دور ولي الأمر: تقديم المساعدة وتقسيم المهمة للطفل غير القادر، مقابل استخدام أسلوب الحزم المرن والمكافآت مع الطفل غير الراغب.

الجانب الحسي والاجتماعي

قد يرتبط الرفض بزيادة المحفزات في البيئة (أصوات عالية، إضاءة قوية) أو بضغط اجتماعي مثل وجود غرباء، مما يجعل «لا» وسيلة للهروب من موقف مربك.حلول عملية واستراتيجيات للتعامل مع «لا»

وهنا نقترح مجموعة من الأساليب العملية للتعامل مع هذا التحدي، منها:

الهدوء والثبات: ردود الأفعال الانفعالية تعزز السلوك بدل أن تخففه. الخيارات المحدودة: إعطاء خيارين فقط بدلاً من سؤال مفتوح يقلل فرص الرفض. الجدول المصور ولوحات الاختيار: تساعد الطفل على فهم موعد الأنشطة، وتمنحه شعوراً بالتحكم. استراتيجية «أولاً ثم»: ربط المهمة الصعبة بمكافأة أو نشاط ممتع. تجاهل الرفض العابر: إذا كان الهدف مجرد جذب الانتباه، فإن التجاهل قد يكون هو الحل. فهم المحفزات الحسية ووضع خطة لتقليلها، مع تدريب الطفل على استراتيجيات التنظيم الذاتي.

الدور الأسري

لا يقتصر التعامل مع «لا» على ولي الأمر وحده، بل يمتد ليشمل الأشقاء الذين يحتاجون للتوعية لاستيعاب الأسباب الحقيقية خلف هذا السلوك. كما أن بناء علاقة إيجابية قائمة على الصبر والحب المتواصل يقلل من حدة الموقف، ويحوّل «لا» من كلمة مزعجة إلى فرصة لفهم الطفل بشكل أعمق.

وفي النهاية، «لا» لدى الطفل من ذوي متلازمة داون ليست مجرد رفض عنيد، بل هي لغة بحد ذاتها. وراء هذه الكلمة القصيرة تختبئ رغبات، مخاوف، احتياجات حسية، وربما طلب غير مباشر للمساعدة. نجاح الأسرة يكمن في الإصغاء، والملاحظة الدقيقة، وقراءة ما بين السطور، ليصبح الرفض جسراً للوصول إلى التواصل بدلاً من أن يكون عائقاً أمامه.

شاركها.