ما أجمل ذكريات الطفولة والشباب، ذكريات عشناها في دفء العائلة، بين ضحكات ومرح أبناء الأهل والجيران، فنقضي يومنا في ساحات الحي نلعب مع أبناء الجيران، ونقضي أيام إجازة نهاية الأسبوع في اللعب في بيت جدنا، مع جميع أحفاد العائلة، فتعلوا ضحكاتنا، وربما شجارنا معاً الذي سرعان ما ينتهي بصلح عفوي، فإذا ما دقت ساعة العودة للمنزل نختبئ عن والدتنا، ونتشاغل طالبين المزيد من الوقت للبقاء في بيت الجدة لمزيد من اللعب، وكم رفعنا راية الاحتجاج ضد والدينا، محتمين بحضن جدتنا لأن والدينا سيأخذوننا للبيت مبكراً قبل باقي الأحفاد الذين سيواصلون اللعب بدوننا، وإذا عدنا للبيت بتنا نعد الأيام حتى يحين موعد زيارتنا لبيت جدنا، شوقاً وحنيناً للتجمع مع أبناء العائلة والتنعم بحنان جدنا وجدتنا، وعندما كبرنا وأصبحنا شباباً ظل الحنين، وشوقنا يزداد لزيارة بيت الجد (ملفى الأياويد) نشتاق إليه، ونحتاجه، ونستنشق في زواياه أحلى ذكرياتنا، لتظل تجمعات الأهل وزياراتهم من البرامج التي نستمتع بها، ونشعر بالسعادة خلالها، تلك الزيارات تجدد من نشاطنا وحيويتنا، ونستعين بها على مشقة الحياة، فزيارات الأهل هي استراحتنا واستجمامنا. وكم اعتذرنا عن برامج مشتركة مع الأصدقاء، لانشغالنا بزيارات الأهل فهي أولوية بالنسبة لنا، لا لأن هذه الزيارات التزاماً عائلياً، بل لأننا نسعد بدفئها، ونفرح بلقيا أبناء العائلة فهم أقاربنا وأصدقائنا وأحبتنا.

فما بال شباب اليوم غابوا عن البيوت التي تربوا فيها في طفولتهم، ما بالهم يستثقلون زيارات الأهل وكأنها واجب ثقيل على قلوبهم، حتى كاد أبناء الأقارب في دائرة الغرباء بالنسبة لهم، ما بال زيارتهم للأهل أصبحت خاطفة كلمح البصر، فيهرعون باستعجال لتجمع أصدقائهم وبرامجهم على النمط الجديد: التجمع في المقاهي، أو اللعب مع الأصدقاء في ملاعب تم حجزها مسبقاً، تجمعات تجردت من العفوية والتلقائية كتلك التي يتمتع بها تجمعات الأهل في السابق، عجيب أمر شبابنا، هل لك أن تتصور أن يلتقي أبناء العم في العمل، أو في الجامعة، فيكتشفون صدفة أنهم أبناء عمومة؟ وهل لك أن ترى أبناء خالة هم أعضاء في شلة واحدة؟ فتقوى علاقتهم من خلال هذه الشلة لتتحول العلاقة بينهم إلى صداقة فقط، وليس لعلاقة قرابة.. ما أعجب هذا الجيل؟!! بات يستمتع بتجمع الأصدقاء والشلل أكثر من تجمع الأهل!! جيل بات التجول في المجمعات أولوية بالنسبة له، لم يعد يسعد بتجمعات بيت الجد والجدة، لم يعد يشتاق زيارتهم، بل إنه لا يحضر تجمعات الأقارب إلا بعد إلحاح من والديه، وترجي من أقاربه، ما بالهم أصبحوا ماهرين في ابتكار أعذار الغياب من حضور تجمعات الأهل.

رحماك يا رب العباد، أهذا نذير تفكك مجتمعي أم أن هذا العزوف مجرد سحابة صيف، ليعود فلذات أكبادنا إلى أصلهم وطبيعتهم وهو الترابط والتماسك الأسري، نعم سادتي الكرام آن الأوان لأن نقرع الجرس إيذاناً لعودة شبابنا لبيوت أجدادهم وزيارة أقاربهم، آن الأوان أن نقرع الجرس لننشئ الجيل الجديد على حب التواصل مع الأهل والأقارب، آن الأوان لأن نقرع الجرس لذكر الجميع أن صلة الرحم هو واجب ديني واجتماعي، وفي الوقت نفسه هو مصدر أمان وملاذ لنا من تحديات الحياة.. ودمتم سالمين.

شاركها.