الروح المثقلة بالهموم تشبه الجسد المليء بالشحوم. تبقى محملة بما لا تطيقه ولا تعرف كيف تتخلص منه، ومع الوقت ولا تملك سوى الرضوخ لهذا الثقل والإذعان له دون حراك، مثل فريسة سلمت رقبتها للموت.
جميعاً كبشر تمر علينا أوقات نتمنى لو نختفي فيها عن الوجود من فرط ما نحمله من هموم وآلام، ونظن أن هذا هو الحل الأخير في العالم. نحاول أن نختفي عن الآخرين حتى نواري سوءة جراحنا ومعاناتنا، لكننا ضعفاء لا نستطيع الصبر أكثر، وسرعان ما نفقد السيطرة على أنفسنا فننفجر في البكاء مثل طفل فقد أمه في وسط الزحام.
والروح المتعبة لا سبيل للتخفيف عنها سوى باللجوء إلى الله الواحد الأحد. هو الملاذ وهو المأوى وهو الأمان كله. فنحن الآن في شهر هطول الرحمات والبركات. شهر التغيير للأفضل وشهر التحرر من عوالق الماضي والآلام التي تثقل الروح. رمضان شهر تعزيز التواصل مع الله ومع الروح التي أودعها فينا والتي هي جزء منه. رمضان شهر الديتوكس أي التطهير على المستوى الروحي والجسدي والنفسي، حيث تبدأ الروح في تطهير نفسها بقدر اقترابها من الله بالعبادة وأعمال الخير، وينعكس ذلك على التطهير على النفس والأفكار والجسد. ثلاثون يوماً هي ليست المدة الزمنية المحددة للحصول على النتائج المثالية، بل هي فترة التأسيس للأشهر القادمة، حتى تمضي بالطريقة ذاتها. فإذا نجحت في هذه الأيام المعدودة ستنجح فيما تبقى لك من سباق الحياة.
ويقوم الديتوكس على الامتناع عن بعض الأمور من أجل الحصول على نتائج إيجابية معينة. فالامتناع عن الطعام للحصول على جسد صحي وأعضاء تعمل بشكل أفضل يسمى ديتوكس صحي، والابتعاد عن مسببات القلق والتوتر وشتات العقل أجل الوصول إلى نفس هادئة ومستقرة يسمى ديتوكس نفسي. أما الديتوكس الروحي الذي نأمل الوصول إليه فهو التوقف عن السلوكيات المكروهة قبل المنهي عنها، حتى نهذب أخلاقنا وجوارحنا وقلوبنا وألسنتنا، ونصل إلى جوهر التطهير الحقيقي وهو أن يكون الداخل ناصع البياض، نقي لا تشوبه شوائب، ولا تثقله ذنوب.
رحلة التطهير هي رحلة يومية ودائمة حتى نستعيد توازننا، ولا نتطرف في أي أمر سواء طعام أو عادات أو أفكار وغيرها. وعملية الديتوكس التي نحن مقبلون عليها في هذه الأيام الفضيلة هي تطهير عميق على كل المستويات حتى نمضي في الحياة خفافاً، وتكون رحلتنا الدنيوية ناجحة، وتوصلنا بسلام إلى الآخرة.
