فاطمة الصديقي
في الشمال التايلندي، وعلى ارتفاعات جبلية تتنفس الهدوء والجمال، تقع مدينة شينغ ماي، ثاني أكبر محافظة في تايلند بعد العاصمة بانكوك، والتي أصبحت وجهة مفضّلة للسيّاح العرب، بعد أن أثبتت أنها ليست مجرّد مدينة، بل ملتقى حضاري وثقافي وديني فريد من نوعه، يحفظ للتقاليد رونقها، ويمنح الطبيعة احترامها.
بداية الرحلة.. من المنامةإلى بانكوك ثم شينغ ماي
بدأت رحلتي من مطار البحرين الدولي على متن طيران الخليج إلى العاصمة التايلندية بانكوك، في رحلة استغرقت نحو 7 ساعات، ثم واصلت إلى شينغ ماي عبر طائرة داخلية في رحلة قصيرة لا تتجاوز ساعة ونصف. منذ لحظة الوصول، عكست الابتسامة الودودة والاحترافية في مطار شينغ ماي مدى وعي المجتمع المحلي بقيمة السائح، حيث أظهر الموظفون تعاوناً ولطفاً يدعو للفخر، في تجربة تشبه الاستقبال الدافئ المعتاد في مطار البحرين.
دوي إنثانون..أعلى نقطة في تايلند
في قلب جبال المدينة، تقع حديقة دوي إنثانون الوطنية، أعلى قمة جبلية في البلاد بارتفاع يزيد عن 2565 متراً فوق مستوى سطح البحر. تحتضن هذه الحديقة تنوعاً بيئياً نادراً، وتوفر للزوار تجربة لا تُنسى من المشي لمسافات طويلة بين الغابات الكثيفة، والشلالات الرائعة، والهواء النقي المفعم بعبير الزهور.
وتشتهر حديقة دوي إنثانون بجمال الطبيعة الخلابة والآسرة وهي وجهه مثلى لمحبي الطبيعة ورياضة المشي و»الهايكنغ» )السير لمسافات طويلة(، حيث يمكن للزائر أن يعانق الغيوم ويلامس زخات المطر، فدرجة الحرارة المنخفضة تشعرك بالراحة مع رائحة الأشجار وعبق الزهور المتنوعة التي تحبس الأنفاس من جمالها وجمال ألوانها، تشعر بنقاء الهواء حيث الغابات الكثيفة والمحميات والشلالات الطبيعية.
توأم المعابدالملكية.. رمز الفن
لا يمكن زيارة دوي إنثانون دون التوقف عند المعابد التوأم «Twin Pagodas»، التي شُيّدت تكريماً للملك والملكة. تحفة معمارية بوذية بامتياز، تحيط بها الحدائق المصمّمة بعناية، وتتيح للزوار التقاط صور لا تُضاهى، خاصة عند شروق الشمس أو غروبها، حيث تمتد المزارع والتلال كلوحة فنية.
محميات الفيلة..
رمز تايلند وذاكرة الطفولة
يشكل الفيل رمزاً وطنياً ودينياً في الثقافة التايلندية، ويُمنح الزائر فرصة فريدة في شينغ ماي للتفاعل مع هذه الحيوانات في بيئتها الطبيعية. يمكن إطعام الفيلة، والركوب عليها، وأحياناً الاستحمام معها في الأنهار، وسط أجواء من البهجة التي تجمع الكبار والصغار.
قرية كارين «طوال الأعناق»..قياس الجماليات بطول العنق
في أقصى الشمال، تقع قرية “لونغ نِك كارين”، إحدى القبائل التي تعيش على هامش المدن. تُعرف نساؤها بارتداء الحلقات النحاسية حول العنق، حيث يُعتبر طول العنق مقياساً للجمال. تقدّم القرية تجربة ثقافية حقيقية، حيث يعيش الزائر وسط الأكواخ الخشبية، ويرى كيف تحيك النساء الأقمشة، وينحت الرجال الخشب، مع مزيج فريد من الحفاظ على التقاليد والانخراط في التعليم النظامي لأطفالهم.
الطعام الحلال..الطمأنينة على مائدة عربية
أحد أبرز عوامل جذب العائلات العربية إلى شينغ ماي هو انتشار المطاعم الحلال، التي تقدم الأطباق الخليجية والعربية، مثل الكبسة والمشاوي والمقبلات. العديد من هذه المطاعم يديرها مستثمرون عرب، خصوصاً من الأردن، وقد نجحوا في فهم احتياجات السائح المسلم وتوفير بيئة ترحيبية.
وتتميّز الأطعمة التايلندية بنكهة مميّزة تعتمد على الأعشاب الطازجة. من أبرز الأطباق حساء “توم يام سوب” الحارّ الذي يجمع الزنجبيل والفلفل الحار والليمون العشبي في مزيج يطغى على نكهة المأكولات البحرية.
كما تتميّز مطاعم المنطقة بلمسة ريفية ساحرة، حيث تُحضّر الأطباق من منتجات المزارع المجاورة، ما يجعل تجربة
الطعام جزءاً أصيلاً من استكشاف البيئة التايلندية.
البنية التحتية.. سياحةمستدامة وخدمات متطورة
تسعى السلطات التايلندية إلى تعزيز تجربة الزائر من خلال تطوير الطرق، وشبكات الاتصال، وتحسين المرافق السياحية، ما يجعل التنقل سهلاً ومريحًا، ويوفر خيارات إقامة تناسب جميع الميزانيات. كما تنشط تايلند في استقطاب المستثمرين لتوسيع البنية التحتية السياحية بطريقة مستدامة.
شينغ ماي.. حيثيلتقي الماضي بالحاضرتمتزج الأسواق الشعبية النابضة بالحياة، والعمارة التقليدية، مع حداثة المرافق والخدمات، لتخلق في شينغ ماي تجربة سياحية شاملة. المدينة التي يُغفل عنها الكثيرون، أثبتت أنها منجم ثقافي وطبيعي يستحق الزيارة. في نهاية الرحلة، لا يبقى في الذاكرة سوى صور لا تُنسى، ومشاهد موثّقة في الجوال لمدينة جمعت بين الدفء الإنساني، وبهاء الطبيعة، وعمق الثقافة. شينغ ماي ليست وجهة عابرة، بل تجربة تنسج الحنين للعودة.
بأسواقها النابضة بالحياة، وطبيعتها الجبلية الآسرة، وتنوّعها الديني والثقافي، تؤكد شينغ ماي مكانتها كوجهة متكاملة تجمع الماضي بالحاضر، لتمنح السائح العربي تجربة لا تُنسى بين دفاتر الذكريات وعدسات الهواتف. ى بين دفاتر الذكريات وعدسات الهواتف.