حسن الستري
العلاقات السياسية التي تربط بين مملكة البحرين والجمهورية اللبنانية تحمل في طياتها أبعاداً تتسم بالود والإخاء، وقد تجذّرت هذه الروابط عبر عقود طويلة من التعاون والتفاهم المتبادل.
هذه العلاقات لا تقتصر على إطارها الدبلوماسي التقليدي، بل تعكس الاهتمام العميق بين البلدين بتطوير شراكات متعددة الأبعاد تغطي الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية، بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين ويعزز الروابط بينهما.
شهدت العلاقات بين البحرين ولبنان تطوراً لافتاً في شهر مارس الماضي، حيث التقى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم ورئيس الدورة الحالية للقمة العربية، بالرئيس اللبناني جوزيف عون خلال انعقاد الدورة الاستثنائية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في العاصمة الإدارية المصرية. هذا اللقاء جاء في سياق المشاركة الفاعلة للبحرين في أعمال القمة العربية التي استضافتها جمهورية مصر العربية، وشكل مناسبة لإعادة تأكيد حرص البلدين على توطيد العلاقات الثنائية ومناقشة أبرز القضايا الإقليمية، بما فيها التحديات الداخلية التي تواجه لبنان.
تناول اللقاء قضايا متعددة، حيث رحب جلالة الملك بالرئيس اللبناني وأشاد بالعلاقات الأخوية بين البلدين، مؤكداً أهمية تعزيزها ودفعها نحو آفاق أوسع لتلبية تطلعات الشعبين الشقيقين. وفي الوقت ذاته، ناقش الجانبان مستجدات الوضع الإقليمي والتطورات اللبنانية الراهنة، حيث شدد جلالته على موقف البحرين الثابت في دعم لبنان بكل ما يحقق أمنه واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه. كذلك أكد الملك ضرورة مواصلة العمل بما يخدم مصلحة الشعب اللبناني ويسهم في توفير حياة أفضل له.
من جانبه، أعرب الرئيس اللبناني عن عميق شكره وتقديره لجلالة الملك على مواقفه النبيلة تجاه لبنان وشعبه. كما أثنى الرئيس اللبناني على الدعم الذي تقدمه البحرين للبنان، مشيراً إلى المواقف المشرّفة التي اتخذتها المملكة لتعزيز استقرار لبنان والحفاظ على وحدته الوطنية. وإلى جانب ذلك، أكد حرصه على تطوير التعاون الثنائي بين البلدين بما يلبي احتياجات وتطلعات الشعبين، معرباً عن اعتزازه بالعلاقات العريقة التي تجمع البلدين.
وفي إطار العلاقات الأخوية المستمرة بين البحرين ولبنان، بعث جلالة الملك برقية تهنئة للرئيس اللبناني بمناسبة انتخابه وأداء اليمين الدستورية، حيث عبّر عن التزام البحرين بدعم أمن لبنان واستقراره. هذه الرسالة شكّلت علامة واضحة على اهتمام القيادة البحرينية بمواصلة تعزيز روابط التعاون وتنمية العلاقات الثنائية بما يخدم المصالح المشتركة. كما أكد الملك في وقت سابق أهمية الدور الذي تلعبه الجالية اللبنانية المقيمة في البحرين، مشيراً جلالته إلى مساهماتها الكبيرة في عملية التنمية الشاملة داخل المملكة.
ولتعزيز هذه العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين، اتخذت مملكة البحرين خطوة إضافية تعكس عمق الروابط الثنائية عندما أعلنت وزارة الخارجية في مايو 2023 استئناف التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء مع الجمهورية اللبنانية. ويأتي هذا القرار بناءً على توجيهات القيادة الحكيمة في المملكة وفي إطار الالتزام بمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وأحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961. وقد لاقت هذه المبادرة ترحيباً كبيراً من الجانب اللبناني، حيث أبدت القيادة اللبنانية تقديرها لهذه الخطوة التي اعتبرتها نقطة إيجابية للدفع بالعلاقات نحو مزيد من التطور.
من جهتها، أكدت الحكومة اللبنانية تطلعها إلى البناء على هذه الجهود المشتركة لتعزيز التعاون الوثيق خلال المرحلة القادمة، مع التركيز على المجالات ذات الاهتمام المشترك التي تصبّ في صالح الشعبين. هذا النهج يعزّز الصورة الإيجابية للعلاقات بين البلدين كأنموذج فريد للعلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والتعاون المثمر.
على الصعيد العام، تُعد العلاقات التي تربط مملكة البحرين بالجمهورية اللبنانية نموذجاً رائداً يُستشهد به في تجسيد أسمى قيم الأخوة والصداقة، فضلاً عن تعزيز مفاهيم التفاهم والتعاون المشترك بين الدول على الساحة الدولية. يتميز كلا البلدين باستمرارية جهودهما في توثيق أواصر التنسيق الثنائي، بما يصبّ في مصلحة تحقيق أهدافهما الاستراتيجية المشتركة، ويساهم بشكل فعّال في دعم ركائز الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة ليس فقط على مستوى الداخل الوطني، ولكن على نطاق أوسع يشمل المنطقة بأكملها. وفي هذا السياق، تُظهر البحرين حرصها البالغ والتزامها الراسخ بمساندة لبنان ودعمه على مختلف الأصعدة، مع توجيه دعوات صادقة تُعبّر عن أمنياتها الصادقة في أن يشهد الشعب اللبناني المزيد من الإنجازات والنماء والرخاء. تقوم هذه العلاقات العميقة والمتينة على إرث مشترك وتجربة غنية نسجت خيوطها عبر سنوات طويلة من الاحترام المتبادل والثقة التي أصبحت اليوم أساساً ثابتاً ترتكز عليه سُبل التعاون بين البلدين.