أميرة صليبيخ

لا يحتاج الأمر لعود ثقاب مشتعل حتى تحرق الدنيا، بل يحتاج لأن تكون أنت علبة البنزين التي تمنحها هذا الامتياز. هذا ما يفعله الغضب فينا.

الأمور التي توقظ الغضب النائم فيني كثيرة. تلاحقني أعواد الثقاب المشتعلة من هنا وهناك، وأراها تنظر لي بنصف عين، وتناديني حتى أدخل معها في صراع، لكني أحاول التحلي بالحكمة والتغاضي عنها قدر الإمكان، حتى لا تشتعل الدنيا. فدائماً ما أتخيل أني أحمل فوق رأسي علبة بنزين، أخاف أن تنسكب على الآخرين، وأخاف أكثر أن تطالني نيرانهم أذاهم، فأكون أنا أول المحترقين.

ومن يدري؟ ربما هذا ما يجاهد البعض لفعله عن قصد! لذلك أتذكر هذه العلبة عند تعاملي مع البشر، أحاول الحفاظ عليها كأنها أمانة يجب أن تصل إلى بر الأمان، أسعى أن أعبر حقول الألغام المزروعة تحت أقدامي، أحافظ على ثباتي، سكوني، سكينتي، أخلاقي واحتمالي حتى ينتهي اليوم بسلام دون حرائق داخلية أو خارجية، وبذلك أكون قد نجحت في الامتحان.

تعلمت إدارة الغضب لأني أدركت أن إدارة البشر أصعب، وأن كل ما أملكه وما سأحاسب عليه يوم القيامة هي نفسي وردود أفعالي لذلك روضت أعصابي. لا أريد أن أقع في الفخ.

وما يجعلني يقظة أيضاً هو أن الغضب أحد مداخل الشيطان، أسهلها منفذاً وأبلغها ضرراً؛ لأنه ما أن يفتح باب الغضب، وتبدأ النيران في الاشتعال فلا شيء سيوقفها حتى تلتهم كل ما هو أمامها. فموقف بسط قد يجر نتائج كارثية. تخيل أن أحدهم تجاوزك في الشارع، فأغضبك وقمت بشتمه فغضب هو أيضاً وهنا استيقظت النار، ولن تنطفئ بسهولة قبل أن يطالك أذاها.. وقس على ذلك كل مواقف حياتك.

لا أقول لكم ألا تغضبوا، فالغضب شعور إنساني أصيل، والقرآن الكريم لم ينهنا عنه بقدر ما دعانا إلى ضبط أنفسنا والتحكم في أعصابنا وهنا مكمن القوة. فالقوة أن تفهم نفسك، وتعرف ما الذي يفجر هذه النيران المستعرة فيك. هل هي مشاعره دفينة تجاهلتها؟ أم نتيجة مواقف لم تتعامل معها وفضلت الهروب؟ أو هي تراكمات طويلة لم تسع إلى تفريغها؟ معرفة الإجابة هو الذي سيحول المواقف لصالحك، وسيجعلك تحسن التعامل مع الغضب النائم بداخلك. وبذلك يتحول الغضب من عدو إلى صديق لأن يهديك عيوبك، ويساعدك على التعامل معها والتخلص منها.

الخطر ليس في الغضب، بل استمرارية الكبت وعدم القدرة على التعامل معه. فنحن في النهاية بشر والناس لا تعاملنا بحسب ما نشعر به بقدر تعاملها مع ردود أفعالنا. فحاول ألا تتحول إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار عند أتفه موقف. فالنار ستلتهمك أنت أولاً.

شاركها.