منى العلوي

حكت لي صديقتي عن موقف مع أبنائها في إحدى جلساتها العائلية، ترك أثراً في نفسها لم تكن تتوقعه، حيثُ أزعجها تصرّف أحد أبنائها، ورأت فيه إساءة احترام لها، فاختارت الصمت مكتفيةً بكتمان ضيقها، معتبرة أن السكوت أهون من الدخول في نقاش قد يكبّر الموقف. لكن أبناءها سرعان ما تنبّهوا إلى صمتها غير المعتاد، وحاولوا استدراجها لمعرفة السبب.

وحين أفصحت لهم عما أزعجها، لم يتوقف النقاش عند حدود الخطأ، بل تجاوزه إلى عمقٍ أكبر، إذ انهالت عليها أسئلة مباشرة:

لماذا لا تصارحينا بما تشعرين به؟

كيف سنتعلم من أخطائنا إذا اخترتِ الصمت؟

هل تريدين أن نتعلم منكِ كتمان مشاعرنا حين ننزعج، فنعيش بظاهر يخالف الباطن؟

ذكرت لي: إنها صارحتهم إن صمتها هو لتجنّب تضخيم الموقف بالتبريرات وما شابه، لكن أحد الأبناء فاجأها بسؤال آخر: أليس في صمتكِ تضخيمٌ أكبر؟

هنا أدركت أنهم على حق، وأن كلماتهم فتحت لها نافذة لمراجعة نفسها. وتذكرت فوراً مواقف أبيها عندما كانت صغيرة، وإنها ربما ورثت عنه عادة الصمت عند الضيق، إذ كان يميل للعزلة ليدع أبناءه يكتشفون أخطاءهم وحدهم. وما شدّ انتباهها هو براعة أبنائها في إدارة الحوار، الذي أنساها الإساءة ذاتها للموقف الأصلي.

انتهت قصة صديقتي،

أما أنا، فقد لفتتني دلالات الموقف في قصتها، فهو يكشف عن اختلاف أساليب الأجيال في فهم التواصل، حيث إن جيل الأم صديقتي نشأ على رهبة الوالدين، فكان الاحترام والطاعة مقدّمين على إبداء الرأي، حتى وإن لم يقتنع الأبناء برأي أبيهم، فإن الطاعة أولى للمودة. بينما أبناء اليوم يرون أن الوضوح والحوار هما حبل المودة، إذ نشأوا في عالم منفتح على المعرفة والإعلام الذي يشجّع على التعبير والشفافية، ويدركون أن كتمان المشاعر لا يردم الفجوة، بل يزيدها اتساعاً.

ولا يعني هذا أن أحد الجيلين على صواب والآخر على خطأ، بل إن لكل جيل أدواته التي تلائم عصره. وما علينا إلا أن نسعى لفهم أبنائنا أكثر، وألا نقسرهم على أساليبنا، بل نأخذ بما هو سليم، سواء أتى من أثر الماضي، أو من أسلوب الحاضر، ليزدهر التواصل بيننا بالحب والاحترام.

شاركها.