قالت استشاري طب العائلة، واستشاري رضاعة طبيعية دولي، وعضو جمعية أصدقاء الصحة، د. فجر ناصر، إن تجربة البحرين في دعم الرضاعة الطبيعية نموذج يحتذى به، بعد أن اتخذت المملكة خطوات ملموسة على الصعيدين التشريعي والتوعوي، مؤكدة أن البحرين تمضي قدماً بخطى ثابتة نحو بيئة داعمة لكل أم وطفل.
ووفقاً للدكتورة فجر ناصر الرضاعة الطبيعية تُعد وسيلة فعالة تسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2030، مؤكدة أنها لا تعزز صحة الأم والطفل فحسب، بل تمتد آثارها إلى تقليل الفجوات الاقتصادية والمساهمة في الحفاظ على البيئة.
وأضافت أن الرضاعة الطبيعية ترتبط بشكل وثيق بعدد من أهداف التنمية المستدامة، من بينها الهدف الثاني المتعلق بالقضاء على الجوع وسوء التغذية، مشيرة إلى أن الرضاعة تزود الطفل بجميع العناصر الغذائية التي يحتاجها خلال الأشهر الستة الأولى من عمره دون الحاجة لأي إضافات.
وتابعت: «كما تدعم الرضاعة الطبيعية الهدف الثالث، الذي يركز على ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاه للجميع، إذ تساهم في تقليل وفيات الأطفال، كما تحمي الأمهات من الإصابة بسرطان الثدي والمبيض»، لافتةً إلى أنها تسهم أيضاً في تحقيق الهدفين الثاني عشر والثالث عشر المتعلقين بالإنتاج والاستهلاك المسؤول والعمل المناخي، كونها لا تنتج نفايات بلاستيكية أو انبعاثات كربونية مثل الحليب الصناعي.
وأشارت د. فجر ناصر إلى دراسة نُشرت عام 2020 في مجلة Maternal & Child Nutrition، أوضحت أن إنتاج الحليب الصناعي يستهلك كميات ضخمة من الماء والطاقة، ويولّد ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، في حين تُعد الرضاعة الطبيعية خياراً بيئياً مستداماً لا يتطلب تصنيعاً أو تغليفاً أو نقلاً.
وبيّنت أن تقريراً صادراً عن منظمة Save the Children أكد أن التزام 50% من الأمهات عالمياً بالرضاعة الطبيعية الحصرية خلال أول ستة أشهر يمكن أن يُخفض بشكل كبير من البصمة البيئية على مستوى الكوكب.
وأوضحت أن الفوائد لا تقتصر على الصحة والبيئة، بل تمتد إلى الاقتصاد، حيث تُقدّر الخسائر الاقتصادية العالمية بسبب انخفاض معدلات الرضاعة الطبيعية بنحو 302 مليار دولار سنوياً، بحسب دراسة نُشرت في The Lancet عام 2016، نتيجة ارتفاع معدلات الأمراض وتراجع الذكاء والإنتاجية لدى الأطفال الذين لم يحصلوا على رضاعة طبيعية كافية.
وفيما يتعلق بسبل دعم استدامة الرضاعة الطبيعية، أكدت د. فجر أن الأمر يتطلب تضافر الجهود على مستويات متعددة، أولها إقرار تشريعات داعمة للأمهات، مثل منح إجازة أمومة مدفوعة وتوفير أماكن مهيأة للرضاعة في أماكن العمل، إلى جانب تثقيف المجتمع والأسر من خلال حملات توعوية تستند إلى أسس علمية وقيم مجتمعية.
وأضافت أن من بين أبرز عناصر الدعم أيضاً تأهيل العاملين في القطاع الصحي عبر تدريبهم على تقديم المشورة المبنية على الأدلة العلمية، بالإضافة إلى تنظيم تسويق بدائل الحليب من خلال الالتزام الصارم بالمدونة الدولية لتسويق بدائل حليب الأم، والصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
وتحدثت د. فجر ناصر عن تجربة مملكة البحرين كنموذج يحتذى به في دعم الرضاعة الطبيعية، موضحة أن المملكة اتخذت خطوات ملموسة على الصعيدين التشريعي والتوعوي، من بينها قانون العمل البحريني الذي يمنح الأم إجازة أمومة مدفوعة لمدة شهرين، إلى جانب ساعتين يومياً للرضاعة بعد عودتها للعمل، في معظم المؤسسات الحكومية والعديد من القطاعات الخاصة.
كما أشارت إلى أن قوانين حماية الطفل في البحرين تتضمن بنوداً تدعم حق الطفل في التغذية الطبيعية، إضافة إلى دور وزارة الصحة في مراقبة تطبيق مدونة تسويق بدائل حليب الأم، للحد من الترويج غير المشروع للحليب الصناعي. وأضافت أن وزارة الصحة تنظم، بالتعاون مع المجلس الأعلى للمرأة، حملات توعوية خلال الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، إلى جانب برامج توعية في المدارس والمراكز الصحية، مشيدة بالدور الريادي للمجلس الأعلى للمرأة في دعم السياسات الوطنية التي توازن بين دور المرأة المهني والأسري، وتمكين الأم العاملة من الاستمرار في الرضاعة الطبيعية ضمن بيئة عمل مرنة وداعمة.
واختتمت د. فجر ناصر حديثها بالتأكيد على أن الرضاعة الطبيعية لم تعد مجرد خيار صحي، بل أصبحت ضرورة استراتيجية ترتبط بالصحة العامة والاستدامة البيئية والاجتماعية. وقالت إن دعم هذا السلوك مسؤولية جماعية واستثمار طويل الأمد في صحة المجتمعات وكفاءة الأجيال المقبلة، مؤكدة أن البحرين تمضي قدماً بخطى ثابتة نحو بيئة داعمة لكل أم وطفل.