الإرضاع يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بمعدل 4.3% لكل 12 شهراً إضافياً

الحمل والرضاعة معاً يقدمان حماية أكبر ضد التحول الورمي في أنسجة الثدي

تغيّرات جينية وإبجينية تفسر التأثير الوقائي للرضاعة الطبيعية

مكونات حليب الأم تمتلك خصائص مناعية ومضادة للسرطان

الإرضاع الطويل يُوصى به كجزء من استراتيجيات الوقاية الوطنية

دعوة لتعزيز سياسات دعم الأمهات العاملات وتشجيع الإرضاع الطبيعي

أوضحت استشاري طب العائلة، واستشاري رضاعة طبيعية دولي، وعضو جمعية أصدقاء الصحة، د.فجر ناصر أن سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء على مستوى العالم، ويمثل نسبة كبيرة من الإصابات بالأورام السرطانية، مشيرة إلى أن تقديرات “GLOBOCAN” الحديثة تظهر وجود الملايين من الحالات الجديدة ونسباً مرتفعة للوفيات الة بالسرطان.

وقالت إن سرطان الثدي يعد أكثر السرطانات شيوعاً بين النساء في مملكة البحرين، حيث يشكّل حوالي 44.4% من إصابات السرطان بين الإناث في 2022، ويمثل 58.5 حالة لكل 100 ألف امرأة (معدل معياري للعمر) في البحرين.

وأضافت أن مجموعة واسعة من الدراسات الوبائية والتحليلات المجمعة (metaanalyses) أظهرت أن الإرضاع بانخفاض خطر الإصابة بسرطان الثدي، حيث تشير التقديرات إلى انخفاض نسبي في الخطر يقارب 4.3% لكل 12 شهراً إضافياً من الإرضاع، وهو أثر مستقل عن تأثير الولادة نفسها. كما أشارت مراجعات أخرى إلى أن الإرضاع لمدة إجمالية تزيد عن 12 شهراً قد يرتبط بانخفاض أكبر، وهي تقديرات نسبية متفاوتة، إذ إن بعض التحليلات تشير إلى انخفاض يصل إلى نحو 2030% حسب مجموع الدراسات والفئات.

وبيّنت أن كل حمل (ولادة) يرتبط بتقليل مخاطرةٍ معينة (حوالي 7% بحسب بعض التحليلات)، ويضاف تأثير الإرضاع فوق هذا الأثر، لذلك تكون الحماية أكبر لدى النساء اللاتي أنجبن وأرضعن لفترات طويلة.

وذكرت أن الأدلة المختبرية والنسيجية تشير إلى عدة آليات متكاملة يمكن أن تفسر تأثير الإرضاع الوقائي، من بينها:

1. تعديلات إبجينية (Epigenetic changes): الإرضاع والحمل ان بتغيرات في أنماط الميثلة على الحمض النووي (DNA methylation) وتنظيم تعبير جينات معينة ة بالنمو السرطاني، مما قد يقلل من قابلية الخلايا للتحول الورمي.

2. تأثير على الخلايا الجذعية الثديية (Mammary stem/progenitor cells): الرضاعة قد تؤدي إلى نضوج وظيفي للخلايا الثديية وإخراج خلايا غير ناضجة قد تكون أكثر عرضة للطفرات، وتعديل مخرجات الإشارات الخلوية الة بالانقسام الورمي.

3. مكونات حليب الأم الحيوية (bioactive components): حليب الثدي يحتوي على خلايا مناعية، وسيتوكينات، وعوامل مضادة للأكسدة، وميكروـRNA، وعناصر أخرى قد تُحدث تأثيراً منظّماً في الجهاز المناعي والبيئة النسجية؛ كما وُجدت خلايا جذعية في حليب الثدي قد تؤدي إلى تأثيرات تنظيمية. هذه المكوّنات قد تساهم في إزالة خلايا معطوبة أو في تعديل البيئة المحلية باتجاه حالة أقل دعماً للنمو الورمي.

4. تأثيرات مناعية ومحيطية: إما عبر تعزيز الاستجابات المناعية المحلية أو عبر تقليل مستويات هرمونات ومعاملات نمو معينة خلال فترات الإرضاع الطويلة، مما يقلل التنبيه المستمر للخلايا النامية في نسيج الثدي.

وأكدت د. فجر ناصر أن هذه الحماية نابعة من تداخل آليات وبائية وجزيئية تُغيّر بيئة النسيج الثديي وتقلّل من قابلية الخلايا إلى التحول الأورمي، وتتضمن هذه التداخلات ما يلي:

1. تأثير على مثيلة الجينات—FOXA1

تظهر دراسات أن علاقة الولادة والرضاعة ترتبط بتغيّر أنماط مثيلة جينات تنظيمية مثل FOXA1؛ تخفيض مثيلة موقعية (demethylation) لَـFOXA1 قد يحافظ على نشاطه الطبيعي كمنظّم للصفة اللمعية (luminal) ويقلّل الميل نحو نمط الأورام السالبة مستقبلياً. بعض الأدلة السريرية والنسيجية تربط الرضاعة بتعديل مثيلة/تعبير FOXA1 مما يفسر جزئياً انخفاض خطر بعض أنواع السرطان.

2. تعديل إنزيمات المثيلة (DNMT1 وDNMT3B)

إنزيمات ناقلة الميثيل مثل DNMT1 وDNMT3B تلعب دوراً في تثبيت أنماط المثيلة الة بالسرطان؛ دراسات خلايا ونماذج حيوانية تُظهر أن تغيير نشاط/تعبير هذه الإنزيمات يؤثر على الخلايا الجذعية الثديية وقد يغيّر من قابلية تكون الورم. يُفترض أن التغيرات الفسيولوجية أثناء الحمل والرضاعة تؤثر على نشاط هذه الإنزيمات وتُسهم في إعادة برمجة إبجينية جزئية بعيدة المدى.

3. قمع PAPPA بواسطة الإرضاع

PAPPA (pappalysin1) عُرف كبروأونكوجين معتمد على الحمل؛ أظهرت دراسات أساسية أن الإرضاع الممتد يعارض فعالية PAPPA ويحدّ من قدرته على ترويج التسرطن فيما بعد الحمل، مما يوفّر آلية واضحة لحماية طويلة الأمد.

4. مكوّنات حليب الأم وتأثيرها على البيئة النسيجية

• αlactalbumin (LALBA) / مركب HAMLET: مشتقات αlactalbumin (مركب HAMLET) أظهرت خواص قاتلة للخلايا الورمية في مختبر ونماذج حيوانية وقد تساهم في قمع الخلايا غير الناضجة أو المريضة ضمن البيئة الثديية.

• sIgA وmiRNA والكالسيوم: الأجسام المضادة المناعية (sIgA)، microRNAs الموجودة في الحليب، وتركيزات الكالسيوم تؤثر على التوازن المناعي، تماسك الخلايا وبرمجتها الجينية أو الإشارات الة بالنجاة/الاستماتة، مما يعيد تشكيل محيط الخلايا ويقلّل من بيئة ملائمة للتحول الورمي.

5. تأثير على خلايا المنشأ (progenitor / stemlike cells)

الإرضاع يؤدي إلى تغييرات تُمكّن من نضوج الخلايا الثديية وإخراج أو تقليل الخلايا الجذعية/المعرضة للطفرات، ما يقلل من المخزون الخلوي القابل للتحول. هذه الآلية تتكامل مع التغييرات الإبجينية ونشاط DNMTs لتفسير الانخفاض الملحوظ في مخاطر أنواع معينة من سرطان الثدي.

أما بشأن النساء ذوات التاريخ العائلي من سرطان الثدي، فقد أوضحت د. فجر ناصر أن الأدلة تشير إلى أن الإرضاع قد يقدم فائدة أيضًا لدى النساء ذوات التاريخ العائلي الإيجابي (أم، خالة، أخت)، ولكن درجة الفائدة قد تختلف بحسب نوع الخطورة الوراثية (مثلاً حوامل طفرات BRCA1/BRCA2 لها دراسات متباينة؛ بعض الدراسات أظهرت أن الإرضاع يقلل خطر الإصابة لدى حاملات BRCA1 لكنه قد يكون أقل وضوحًا لحاملات BRCA2). لذلك، يُنصح بمراعاة المشورة الوراثية والنهج المتكامل (الفحص المبكر، الإجراءات الوقائية) مع التشجيع على الإرضاع كجزء من الاستراتيجية المحتملة لتقليل الخطر.

وقالت إنه رغم الحاجة لمزيد من بحوث الآليات والطويلة المدى. من منظور الصحة العامة والوقاية من السرطان، يُنصح بدمج سياسات وتشجيع الإرضاع الطويل (≥12 شهراً عندما أمكن) ضمن خطط الوقاية الوطنية، مع اهتمام خاص للنساء ذوات التاريخ العائلي/الوراثي عبر برامج فحص واستشارة متخصصة.

وشددت على أهمية الجهود المشتركة بين القطاعات الصحية والاجتماعية لمواجهة المرض، وأوصت بما يلي:

1. تعزيز سياسات دعم الإرضاع: تحسين إجازات الأمومة، أماكن الإرضاع في العمل، الدعم المجتمعي والاستشاري للرضاعة (استشارات رضاعة محترفة) سيزيد معدلات ومدة الإرضاع وبالتالي قد يساهم في تقليل عبء سرطان الثدي على المدى البعيد.

2. التثقيف الصحي: تضمين رسائل الوقاية من السرطان ضمن برامج دعم الإرضاع لشرح المنفعة المحتملة للأم (إلى جانب الفوائد المعروفة للطفل).

3. نهج مخصص للنساء ذوات الخطورة العالية: توفير استشارات وراثية، مراقبة أفضل، وحوار حول المزايا النسبية للإرضاع ضمن خطة الوقاية الشخصية.

4. بحوث مستقبلية: الحاجة لدراسات طولية إقليمية (بما في ذلك في البحرين) تدرس تأثير المدة الإجمالية للرضاعة والولادات المتعددة ووجود عوامل وراثية/بيئية، وكذلك أبحاث آلية تُركّز على مكونات الحليب (مثل microRNA، خلايا جذعية، عوامل إبجينية).

شاركها.