في العيد.. «خلهم يستانسون» – الوطن

أمام ركن الألعاب في أحد المجمعات التجارية؛ استمعت بالصدفة لحوار سريع بين طفلين لم يتجاوزا الرابعة عشر من عمرهما، يخبر أحدهما الآخر أن والده فتح له البطاقة البنكية بمبلغ 100 دينار، فيما يرد الآخر أن بطاقته في العيد تكون (unlimited)، حتى «يستانس ويلعب ويجيب كل اللي في خاطره»، حسب تبرير الوالد.
حديث الطفلين أعادني إلى طفولتي وطفولة كثيرين من أبناء جيلي؛ حيث كانت الـدينار أحد أحلام العيد، ولا نراها إلا من يد الوالد، رحمه الله، والمقربون من أفراد العائلة، فيما تتنوع أعياد باقي الأهل والأصدقاء والجيران، وقد تقتصر على بعض الحلوى أو المكسرات.
أما السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل فعلاً بإغراقنا أبنائنا بالكثير من الرفاهية نسعى لتحقيق هدف أن يكونوا سعداء في الحياة؟ أم أننا نعوض ما نعتقد أننا حرمنا منه في طفولتنا؟ وهل بتصرفاتنا أن نخلق جيلاً قادراً على تحمل مصاعب الحياة والتعامل مع ظروفها المتغيرة بكل جلد وصبر؟ أسئلة كثيرة سأتركها برسم الإجابة للأهل وأصحاب الاختصاص والتجارب.
في العيد مظاهر كثيرة تغيرت، رغم محاولات البعض التمسك بما بقي من عادات توارثها المجتمع عن الآباء والأجداد، وشكلت قيمة وجزءاً من تراثنا الوطني الذي نفخر به، ويميزنا عن كثير من شعوب العالم.
اليوم تبدلت هذه المظاهر، وتحولت من قيم اجتماعية تعزز الترابط الأسري والتواصل بين الأجيال إلى سلوكيات استهلاكية بحتة، حيث أصبح العيد فرصة للاستعراض والتباهي بالمشتريات والهدايا الفاخرة بدلاً من كونه مناسبة تجمع الأحباب وتغذي القيم.
في الماضي؛ كانت فرحة العيد تمتد لأسابيع قبل حلوله، حيث تبدأ العائلات بالتجهيز عبر شراء الملابس الجديدة، وتحضير الحلويات المنزلية، وتوزيع العيديات البسيطة التي تكفي لرسم البسمة على وجه الصغار. أما اليوم، فقد باتت هذه التفاصيل تتلاشى واستبدلت بالمجمعات التجارية التي تغص بالعائلات الباحثة عن أحدث الصيحات والموائد الفاخرة من أكبر المطاعم، ولم يعد الأطفال ينتظرون «العيدية» بنفس الشغف، فقد باتوا يتوقعون مبالغ ضخمة، بينما كانت سعادتنا تكمن في القليل، وكانت «العيدية» رغم بساطتها ذات معنى عميق.
أما الجانب الاجتماعي، فقد تغيرت عاداته بشكل واضح، حيث تراجعت زيارات الأهل والأصدقاء لصالح رسائل التهنئة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، ولم تعد كثير من البيوت تستقبل الضيوف كما في السابق، بل إن البعض يفضل قضاء العيد في السفر بدلاً من الاحتفال مع الأسر،. هذه التغيرات ساهمت في إضعاف الروابط الاجتماعية التي كانت تشكل جزءاً أصيلاً من قيمنا.
واخيراً، استعادة روح العيد التي نشأنا عليها لن يكون سهلاً، ولكن إن أردنا لأطفالنا أن «يستانسون» بالعيد كما كنا نفرح به في الماضي، فعلينا أن نعلمهم أن السعادة لا تشترى بالمال وحده، بل تصنع بالمحبة واللقاءات الدافئة والتقاليد التي تمنح للعيد رونقه الحقيقي.