تُعد استدامة الممارسات الجيدة إحدى أبرز سمات المدرسة الفاعلة التي تسعى إلى تحقيق جودة الأداء وتميز المخرجات التعليمية، وفي ضوء هذا التوجه فإن مسؤولية القيادة المدرسية لا تقتصر على إحداث التحسين فحسب، بل تتعدى ذلك إلى ترسيخ الممارسات الناجحة وتحويلها إلى ثقافة مؤسسية مستدامة تنعكس آثارها إيجاباً على التعليم والتعلم، فحين تكون القيادة واعية برؤيتها متوازنة في قراراتها ومؤمنة بقدرة كوادرها، فإنها تصنع من الجودة منهجاً دائماً للحياة المهنية وتغرس قناعة لدى جميع العاملين بأن الجودة ليست مشروعاً مؤقتاً، بل هي نهج حياة مهني يتجدد بتجدد المواقف التعليمية ويتسع أثره ليشمل جميع مكونات المدرسة.
تعمل القيادة المدرسية الواعية على بناء قناعة راسخة لدى جميع العاملين بأن الجودة مسؤولية جماعية، ولتحقيق ذلك تبدأ ببناء ثقافة داخلية قائمة على التعلم المستمر والمساءلة الإيجابية وتشرك المعلمين والطلبة وأولياء الأمور في عمليات التخطيط والتنفيذ والمتابعة، بحيث يشعر كل فرد في المدرسة بأنه شريك في النجاح ومسؤول عن استمراره. كما تحرص القيادة على توثيق الممارسات الجيدة وتحويلها إلى أدلة إجرائية ونماذج عمل معيارية قابلة للتطبيق تدمج ضمن الخطط التشغيلية وخطط التحسين بما يضمن استمرارها واستقرارها رغم تغيّر الأفراد أو الإدارات.
وتُولي المدرسة اهتماماً بالغاً ببناء القدرات المهنية للعاملين، من خلال التدريب المنتظم وبرامج تبادل الخبرات وتبني مفهوم المعلم القائد الذي يسهم في نقل المعرفة ونشر التجارب الناجحة بين الزملاء، بما يعزز ثقافة العمل الجماعي وروح الفريق الواحد. كما تتابع القيادة تطبيق تلك الممارسات عبر أدوات قياس دقيقة ومؤشرات أداء واضحة وتقارير تحليلية دورية تُسهم في تطويرها وتحسين أثرها، وتعمل على مراجعتها بانتظام للتأكد من توافقها مع الأهداف الاستراتيجية للمدرسة والرؤية الوطنية للتعليم.
ولا تقتصر القيادة الفاعلة على إدارة الحاضر، بل تمتد إلى استشراف المستقبل وصناعة بيئة محفّزة على الابتكار والمبادرة. فهي تدير التغيير بأسلوب متوازن يجمع بين التجديد والحفاظ على الهوية، وتشجع المعلمين على التجريب التربوي المبتكر والواعي، وتكافئ المبادرات النوعية التي تحدث فرقاً في نتائج التعلم. ومن خلال هذا النهج، تتحوّل الممارسات الجيدة إلى عادات مهنية راسخة، تمارس بتلقائية، وتنعكس في سلوك العاملين اليومي داخل الصفوف والمجتمع المدرسي.
إن استدامة الممارسات لا تتحقق إلا بقيادة تمتلك الرؤية وتؤمن بأن التطوير المستمر هو طريق الجودة الحقيقي. فالقيادة الواعية هي التي تجعل من كل إنجاز نقطة انطلاق جديدة نحو أداء أعمق أثراً وأكثر استدامة. وبذلك تضمن المدرسة استمرار جودة أدائها وتميّزها مهما تغيّرت الظروف أو الأشخاص، لأن ثقافة التحسين أصبحت جزءاً أصيلاً من كيانها المؤسسي ومن هوية مجتمعها التعليمي.
