يمر العمر وتمر السنون، وتأتي ذكرى الزواج لتكون محطة نتوقف فيها لنتذكر كيف بدأت القصة، والنظرة الأولى، والالتزام الذي أطلقنا به رحلتنا. لكن هل يجب أن يكون هذا الاحتفال مجرد تقليد عابر أو مناسبة اجتماعية؟ إننا نرى أنه يمكننا أن نجعله فرصة حقيقية لتجديد الالتزام بالحب، وتذكير أنفسنا بقيمة هذه العلاقة الفريدة التي تجمعنا، فالاحتفال ليس فقط لإحياء ذكرى الماضي، بل لتجديد العهد بالمستقبل وبناء «المعنى المشترك» في الزواج.
إن الاحتفال الصادق يتطلب استحضار التحديات والصعوبات التي تم مواجهتها معاً، وكيف تم تجاوزها كفريق واحد، فقد كانت تلك العقبات دروسًا قيمة ساعدتنا على النماء وتطوير أنظمة تفكيرنا وتعاطينا مع الأزمات. إلى جانب ذلك، يجب أن تكون هذه المناسبة فرصة للاحتفاء بالجوانب الجميلة التي اكتشفها كل شريك في الآخر وتأثر بها؛ تلك الصفات التي لم تكن ظاهرة في البداية ولكنها نمت وأثرت العلاقة. هذا التقدير العلني يؤكد أن الزواج هو نماء مشترك، حيث يرى كل طرف في الآخر مصدرًا للإلهام والتحسين المستمر.
هذا اليوم يمثل أيضاً نقطة محورية للتخطيط والنية، صحيح أننا نمتثل للعرف بالامتنان على ما مضى، ولكن الأهم هو التخطيط بوعي لما سيأتي، بالاستفادة من كل ما تعلمناه. كيف سيكون عامنا المقبل أجمل وأكثر ثراءً في المعنى؟ وهنا يأتي دور وأهمية التفكير في ملف عالق نود إغلاقه، وقد يكون هذا الملف تحديًا مستمرًا لم يُحل بعد، مشكلة مؤجلة، أو خطة تطور شخصي أو زوجي تم تأجيلها، ولتكون ذكرى الزواج هي لحظة اتخاذ القرار المشترك بإغلاق هذا الملف في العام القادم، مما يمنح العلاقة إحساسًا بالإنجاز والنظر والتطلع للمستقبل بتفاؤل.
وفقاً لأبحاث الدكتور جون جوتمان، فإن سر نجاح الزواج لا يكمن في تجنب الصراعات، بل في بناء «خرائط الحب» التفصيلية. هذه الخرائط هي الفهم العميق للعالم الداخلي للشريك، آماله، مخاوفه، وأحلامه. الاحتفال السنوي يوفر فرصة مثالية لتحديث هذه الخرائط، من خلال تخصيص وقت «للانعطاف نحو الشريك» (Turning Towards) عبر الاستماع الفعّال والتعبير عن التقدير. هذه الطقوس الإيجابية تُقوّي الأساس العاطفي للعلاقة، وتضمن أن تبقى مستودعات الود ممتلئة لمواجهة ضغوط الحياة.
قد يظن البعض أن البذخ المادي ومظاهر الاحتفال من هدايا وما شابه هو المظهر الأكثر تعبيراً عن السعادة، لكن الحقيقة هي أن الذكريات الأكثر رسوخاً تُصنع باللفتات الصادقة والبسيطة. يمكنكم اختيار الاحتفال بالأبسط؛ ككتابة رسائل حب تُلخص مشاعركم، أو زيارة مكان له ذكرى خاصة لإعادة إحياء الإحساس بتلك اللحظة. القيمة تكمن في اللفتة المعبرة لا في الثمن الباهظ. والأهم هو إدراك أن الزواج هو الاحتفال بالرحلة وليس الوجهة، إنه مسيرة مستمرة من النمو والتطور، وكل ذكرى زواج هي محطة احتفال بالصمود والمرونة في مواجهة الحياة.
في الختام، ذكرى زواجكم ليست مجرد تاريخ في التقويم، بل هي فرصة سنوية لتجديد الالتزام بالحب، وتذكير أنفسكم بقيمة هذه العلاقة التي هي أساس حياتكم. اجعلوها مناسبة للتقدير العميق والنية الصادقة لبناء عام جديد أكثر جمالاً وعمقاً معاً.
استشاري زواجي أسري
