لولوة المطلق.. شغف بالعلم دون حدود
انتقلت من «الصحة» إلى العمل بالمصارف
عملت في «الأشعة» بمستشفى النعيم رغم خطورة القسم
تعلمنا في فرنسا علاج السرطان بالأشعة
بدأت العمل مبكراً قبل استكمال دراستي الجامعية
ابني الصغير لم يعرفني عندما زارتني الأسرة في أمريكا
زوجي تعرّف عليّ في حافلة نقل عام وتقدم لخطبتي
أيمن شكل «تصوير: حذيفة إبراهيم»
شغفها بالعلم جعلها تتميز عن باقي نظيراتها في المرحلة الثانوية منذ صغرها، وأصرت على إكمال مشوارها في مجال الأشعة، ولأنها الأكبر بين إخوتها كانت تريد إنهاء الدراسة بسرعة وإيجاد فرصة عمل.
هكذا بدأت الدكتورة لولوة المطلق سرد مسيرة حياتها لـ«الوطن»، حيث أشارت إلى أنه لم يكن أمامها رفاهية استكمال دراستها الجامعية لذلك عندما علمت بوجود توظيف في وزارة الصحة ذهبت إلى المغفور له بإذن الله تعالى الدكتور إبراهيم يعقوب، حيث قال لها: «لا يوجد شواغر في التخصصات إلا قسم الأشعة» رغم خطورة التعامل معها ولم يكن هناك خيار آخر فقررت قبول الوظيفة.
وتقول المطلق: «إنها كانت تذهب وأختها للمدرسة سيراً على الأقدام، ولم تكونا تشعران وقتها بمشقة المسافة أو إرهاق الحرارة»، مشيرة إلى أن الخلافات المدرسية في الماضي كانت أبسط من الحالية وذلك بسبب بساطة الحياة في تلك الفترة.
وعن قصة الزواج قالت: «حينما كنت في سن الثامنة عشرة وأعمل في مستشفى النعيم أذهب إلى محطة النقل العام في المحرق لألتقي بصديقة تعمل في مستشفى السلمانية، فكنا نستخدم النقل العام ذهابا وعودة، وفي تلك الأثناء وخلال الرحلة اليومية بالحافلة رآني زوجي وتقدم لخطبتي حيث كان يعمل في وزارة الداخلية ويستخدم نفس الحافلة». وفي ما يأتي اللقاء:
كيف كانت مرحلة الطفولة؟
أعتبر طفولتي مرحلة جميلة عشت فيها مع جدي وجدتي في فريج البنعلي وكانا حريصين على تعليمي أنا وأختي وأخي، فكنا نذهب للمدرسة سيراً على الأقدام ولم نكن نشعر وقتها بمشقة المسافة أو إرهاق الحرارة.
وبدأت في مدرسة الحالة ثم نقلونا إلى مدرسة أسماء ذات النطاقين وبعدها إلى مدرسة مريم بنت عمران وتلك التي أنهيت فيها المرحلة الابتدائية لأخرج منها للمرحلة الإعدادية في مدرسة خديجة الكبرى، واتسمت تلك المرحلة العمرية بالبساطة والتركيز على الدراسة لحبي للتفوق.
وأذكر في بداية التعليم أني كنت أجد صعوبة في تعلم اللغة الإنجليزية، لكن استطاعت معلمة اللغة بروين زينل أن تغير من فكرتي بشأن صعوبة تعلم اللغة، وذلك على الرغم من أسلوبها القاسي بعض الأحيان.
ما هي المواقف التي تتذكرينها في مرحلة الدراسة؟
في مدرسة خديجة الكبرى كنت أقصر طالبة في الصف الثاني الإعدادي، وكانت هناك زميلة تتمتع بجسم ضخم وتحاول إقناعي بالجلوس نهاية الفصل، لكنها كانت طيبة رغم ما تتمتع به من هيئة مهيبة، واستطعت إقناعها بالجلوس مكانها في مقدمة الفصل وتبادل المقاعد، ولعل الخلافات المدرسية في الماضي كانت أبسط من الحالية وذلك بسبب بساطة الحياة في تلك الفترة.
وتكررت مسيرة الذهاب لمدرسة المحرق الثانوية مشياً على الأقدام من فريج البنعلي ولم نكن نشعر خلالها بالحر أو البرد، بل إنها كانت مسيرة متعة لنا كطالبات يرغبن في تحصيل العلم والتفوق، وتظهر بساطة الحياة في تلك الفترة حين كانت أم إحدى الطالبات التي تسكن في منتصف الطريق للمدرسة، تجهز لنا وجبات خفيفة نمر عليها لتناولها أثناء الرحلة اليومية، ولا أزال أذكر حلاوة هذه الوجبة.
المرحلة الثانوية عادة ما تتميز بتحولات في الشخصية والبحث عن الذات ووضع الأهداف المستقبلية كيف تصفين ذلك؟
تتبعت شغفي في حب المجال العلمي واخترته في المرحلة الثانوية حيث كنا ندرس جميع المواد العلمية والرياضية، لكني كنت أحب مادة الأحياء، وتميزت مديرة المدرسة في تلك الفترة الأستاذة حصة الخميري بالشدة والصرامة ولكن ذلك نابع من حرصها الشديد على تفوق البنات ومصلحتهم، وانعكس ذلك على طاقم المعلمات الذي يتكون من بحرينيات وأردنيات ومصريات حرصن على تفوق طالباتهن.
لكن دائماً ما يوجد في كل مدرسة مشاغبون أو ما يعرف بشقاوة البنات، وهذه المجموعة كانت تحاول لفت الانتباه بمخالفة التعليمات سواء في الزي المدرسي أو تحدي النظام، وعلى الرغم من اختلافنا معهن في أسلوب الحياة المدرسية، إلا أنهن كن يمثلن نموذجاً فريداً نحب أن نتابع ما يفعلنه كل يوم، بينما نحن نخاف تقليد أفعالهن.
بدأت العمل مبكراً ولم تسنح الفرصة لاستكمال التعليم الجامعي، حدثينا عن ذلك.
لأنني الأكبر بين إخوتي كنت أريد إنهاء الدراسة بسرعة وإيجاد فرصة عمل، ولم يكن أمامي رفاهية استكمال دراستي الجامعية لذلك عندما علمت بوجود توظيف في وزارة الصحة ذهبت إلى المغفور له بإذن الله تعالى الدكتور إبراهيم يعقوب الذي قال لي إنه لا يوجد شواغر في التخصصات إلا قسم الأشعة، وحينها تذكرت ما درسته في الفيزياء وخطورة التعامل معها، لكن لم يكن هناك خيار آخر فقررت قبول الوظيفة، وكان العمل في مستشفى النعيم أول وأقدم مستشفى في البحرين آنذاك ومكثت فيه حتى تم افتتاح مجمع السلمانية الطبي وحتى عام 1976.
كيف تغيرت حياتك من العمل للتدريس؟
في عام 1976 أعلنت وزارة الصحة عن ابتعاث العاملين في أقسام الوزارة للدراسة في جامعة بيروت في لبنان، لكن لم يحالفني الحظ في تلك البعثة، واكتشفت بعدها أن الله قدر لي الخير بعدم اختياري بهذه البعثة، حيث اندلعت حرب لبنان ولم تتمكن المتبعَثات من استكمال دراستهن وعدن للبحرين وتعطلت دراستهن.
وفي تلك الفترة تم افتتاح كلية العلوم الصحية في البحرين وحصلت على فرصة دبلوم مشارك في علوم الأشعة وكنت ضمن أول دفعة في كلية العلوم الصحية تخرجت عام 1978، وعدت مرة أخرى رئيسة لقسم الأشعة حتى عام 1980، حين عرضت علي فرصة العمل معيدة في كلية العلوم الصحية ضمن برنامج دبلوم التدريس، وتم ابتعاثي مع زميلة إلى فرنسا للتعرف على أحدث المستجدات في علم الأشعة.
وقبل أن نذهب إلى فرنسا واجهتنا مشكلة اللغة، ولم يكن متاحا سوى تعلم بعض الكلمات البسيطة، لكن لم نواجه صعوبات في التعلم لأن الممارسات وإجراءات التصوير الإشعاعي تتم أمام الطلبة دون الحاجة لتفاصيل لغوية كثيرة، وهناك تعلمنا علاج السرطان بالأشعة بالإضافة إلى تصوير أشعة متطورة.
وكيف استطعت الموازنة بين العمل والعائلة؟
بدأت التدريس في كلية العلوم الصحية حيث كان مدير الكلية الدكتور سمير خلفان والذي طلب مني التقديم للبكالوريوس، وفي تلك الفترة كنت متزوجة ولدي طفلان يحتاجان إلى الرعاية، ومثّل ذلك تحدياً خاصة وأن البكالوريوس لم يكن موجوداً في البحرين ولا أي دولة عربية ولكن في أمريكا، واستطعت إقناع زوجي بالسفر وذلك بعد أن قدمت على الدراسة وحصلت على القبول وذهبت إلى أريزونا.
وأتذكر جدتي الله يرحمها حين قالت لي «ليش بتروحين وتتركين زوجك وأولادك علشان الشهادة، فقلت لها لأنني أحب العلم». وكان المعتاد في تلك الفترة أن تنهي المرأة مسيرتها عندما تتزوج وتنجب أطفالاً، لكن أحببت التحدي وتتبعت طموحي وحكومة البحرين تعطي الفرص.
واتخذت القرار ومعه وجدت مخرجاً لمشكلة ابتعادي عن الأطفال، حيث كان يأتي زوجي وأطفالي ليمكثوا معي 4 أشهر و «مشينا أمورنا» وكانت أولى خطواتي للدراسات العليا.
وأذكر عندما حضرت عائلتي أول مرة في أمريكا، لم يتعرف علي ابني الصغير أحمد وبدأ يركض خلف زميلتي ويقول لها «ماما، ماما» فأمسكت به واحتضنته وقلت له أنا أمك.
كم سنة قضيتِ في أمريكا؟
البعثة كانت لثلاث سنوات لدراسة البكالوريوس في علوم الأشعة الطبية لكن اختزلتها في سنتين وأبلغت وزارة الصحة بأنني سوف أواصل السنة الثالثة من البعثة لدراسة الماجستير.
وكيف تعاملت لولوة المطلق مع الثقافات المختلفة للطلبة الدارسين في أمريكا؟
كانت هناك تشكيلة كبيرة من الثقافات في الدراسة والسكن سواء من أمريكا أو تايلند ودول عربية وإفريقية، لكن استطعت أن أكوّن صداقات مع الجميع الذين كانوا يقولون عني أني بشوشة وبسيطة، وكانوا يرون في بشرتي السمراء ثيمة وسيطة بين الغرب الأبيض وإفريقيا السمراء وشعر الأفارقة أنني أقرب لهم.
وسكنت في غرفة مع طالبة أمريكية كانت حريصة على صحتها بتناول الفيتامينات، وتعتني ببشرتها ولذلك تعلمت منها أموراً جميلة، كما كانت مشرفة السكن من الجنسية الباكستانية ولديها خبرات استفدت منها أيضاً.
ثم عدت إلى البحرين بعد 3 سنوات لأدرس في كلية العلوم الطبية، وأنا أتساءل بين نفسي.. ما هي الخطوة التالية، وكانت دراسة الدكتوراه في ناشفيل بأمريكا وحصلت على الدكتوراه بتفوق.
كيف كانت قصة الزواج؟
كما يقال إنه النصيب، فقد كنت في الثامنة عشرة وأعمل في مستشفى النعيم وأذهب إلى محطة النقل العام في المحرق لألتقي بصديقة تعمل في مستشفى السلمانية، فكنا نستخدم النقل العام ذهابا وعودة، وفي تلك الأثناء وخلال الرحلة اليومية بالحافلة رآني زوجي وتقدم لخطبتي حيث كان يعمل في وزارة الداخلية ويستخدم نفس الحافلة.
ومن مفارقات الرحلة اليومية أن أحد الركاب الدائمين كان يعلم أنني وصديقتي نعمل في وزارة الصحة، وعندما نصعد للحافلة يصيح قائلاً.. «أوو ريحة دوا».
ثم قررت بعد عودتي من فرنسا تعلم السياقة وقام بهذه المهمة 3 أشخاص، اثنان مدربا سياقة والثالث كان زوجي، ثم اشتريت أول سيارة تويوتا كانت تتميز بأنها لونان وتعتبر في زمنها فريدة في لونها و«كشخة».
ماذا عن الأبناء؟
الأكبر هو هشام السكران والذي عاصر كل الصعوبات لكن ما يميز عائلتي هو تفهم ما أقوم به بأنه في النهاية يصب في مصلحة العائلة كلها، وهشام كان يعمل في البنوك لمدة 17 سنة، لكن شغفه بالموسيقى جعله يترك هذا العمل ويتفرغ لشغفه وهو اليوم موزع موسيقي معروف.
ومن أين أتى بالموهبة الموسيقية؟
كان والده يعزف الساكسفون لفترة وجيزة وربما ورث عنه هذه الموهبة. والابن الثاني أحمد والذي تركته صغيراً وفي يده المرضعة، وبدأ حياته في البنوك ثم انتقل للشركات، ومؤخرا قرر العمل معي في شركتي التي أسستها.
هل تركت العمل الأكاديمي؟
عملت في الكلية ودرست العديد من المناهج، حتى أصبحت أخصائية مناهج أولى، وعملت فترة في جامعة البحرين ومعهد البحرين للدراسات المالية والمصرفية، واكتسبت خبرة كبيرة، لكن بدأت أبحث عن مرحلة جديدة، وعندما عملت في معهد البحرين للدراسات المصرفية تشكلت لدي خبرة كبيرة، وحصلت على وظيفة في المؤسسة العربية المصرفية ووصلت لمنصب نائب الرئيس للموارد البشرية لمدة 11 سنة.
كيف انتقلت من الصحة للبنوك؟
هذا ما كان يسألني عنه بعض صديقاتي، لكن أنا أؤمن بأن البحث عن العلم لا يقف عند حدود أو تخصص، ولذلك توجهت إلى جامعة في لندن وأيضا متشيغان للحصول على كورسات في الموارد البشرية، وتطوعت في الجمعية العربية لإدارة الموارد البشرية في أرامكو السعودية، وجمعية البحرين للتدريب والتنمية البشرية والتي بقيت فيها عضوا مدى الحياة.
وماذا عن جمعية الإداريين البحرينية؟
كنت عضواً فيها لمدة طويلة وترأست الجمعية في 2005 وعدت لإحداث تغييرات تواكب التطور الحاصل في مجال الإدارة باعتباره مجالاً متطوراً باستدامة.
وحثثت المرأة بأن تبحث عن شغفها وتنمي ذاتها بالعديد من الكورسات والالتحاق بالتطوع وتشكيل شبكة علاقات ومهارات حياتية ومهنية تقوي بعضها البعض. فدائماً ما نتحدث عن تمكين المرأة وذلك لا يمكن أن يحدث إلا بأن تمكن المرأة نفسها.