سماهر سيف اليزل

أكد الخبير والاستشاري في التربية الخاصة أسامة أحمد مدبولي أن اضطراب فرط النشاط الحركي وتشتت الانتباه «ADHD» لم يعد حكراً على الأطفال كما كان يُعتقد سابقاً، بل أثبتت الدراسات الحديثة أن هذا الاضطراب يستمر لدى نسبة كبيرة من المصابين حتى مرحلة البلوغ، مع تغير في مظاهر الأعراض وتأثيرها على تفاصيل الحياة اليومية، خاصة في العمل والعلاقات الأسرية والاجتماعية.

وأوضح أن فرط النشاط الحركي لدى الكبار هو اضطراب عصبي نمائي مزمن يؤثر على معالجة الدماغ للمعلومات، ويؤدي إلى صعوبات في تنظيم الانتباه والسلوك والتحكم في الاندفاعات، حيث يعتقد الباحثون أن مصدر المشكلة يعود إلى اختلافات في كيمياء الدماغ وبنيته، خاصة في المناطق المسؤولة عن الوظائف التنفيذية مثل التخطيط وتنظيم الذات والتحكم في الانفعالات، هذه الاختلافات تؤدي إلى نقص في بعض الناقلات العصبية مثل الدوبامين والنورإبينفرين، ما ينعكس على قدرة الفرد على التركيز والتحفيز.

وقال مدبولي: «تتجلى مظاهر فرط النشاط الحركي لدى الكبار بشكل مختلف عن الأطفال، فبدلًا من الحركة المفرطة الظاهرة، يتحول الاضطراب إلى توتر داخلي، تشتت ذهني، صعوبة في التنظيم، ونسيان متكرر، يعاني المصابون من صعوبة في التركيز على مهمة واحدة، وسهولة التشتت سواء بالمحفزات الخارجية أو حتى بالأفكار الداخلية، كما يواجهون صعوبات في تنظيم المهام أو البدء في تنفيذها، أما فرط النشاط، فيظهر غالباً في صورة قلق داخلي أو عدم قدرة على الاسترخاء، وقد ينعكس في كثرة الكلام أو مقاطعة الآخرين، وتبرز الاندفاعية في اتخاذ قرارات سريعة دون التفكير في العواقب، أو الدخول في نقاشات أو مغامرات غير محسوبة، كل هذه الأعراض تؤثر بشكل مباشر على الأداء المهني، الاستقرار الأسري، وإدارة الوقت والمال، وتنعكس على جودة الحياة بشكل عام».

وتابع أن العلاقات الزوجية تتأثر بشكل كبير بوجود أحد الطرفين مصاباً بفرط النشاط الحركي، حيث يجد المصاب صعوبة في الانتباه أثناء الحوار مع الشريك، ما يؤدي إلى سوء الفهم وتكرار الخلافات، وقد يتحول التوتر الداخلي إلى عصبية أو كثرة جدال، بينما تدفع الاندفاعية إلى اتخاذ قرارات سريعة دون التشاور مع الطرف الآخر، أو الدخول في نقاشات حادة دون مراعاة مشاعر الشريك، كما يؤدي النسيان وعدم التنظيم إلى نسيان المناسبات أو الالتزامات الأسرية، وعدم القدرة على إدارة شؤون المنزل بفعالية، كل ذلك يخلق حالة من الإحباط لدى الطرف الآخر، ويؤدي إلى شعور بعدم التقدير أو غياب الدعم، ما يهدد استقرار العلاقة الزوجية.

ونوه بأن تشخيص فرط النشاط الحركي لدى الكبار عملية دقيقة ومعقدة، إذ تتداخل الأعراض مع حالات أخرى مثل القلق أو الاكتئاب، لا يوجد اختبار واحد للتشخيص، بل يعتمد الأمر على تقييم شامل يشمل مقابلات سريرية، مراجعة التاريخ الطبي والنفسي، استخدام مقاييس تقييم معتمدة، وجمع المعلومات من مصادر متعددة مثل الأسرة أو الشريك أو زملاء العمل، من المهم أيضاً استبعاد الحالات الأخرى التي قد تسبب أعراضاً مشابهة، مثل اضطرابات المزاج أو القلق أو اضطرابات النوم، التشخيص المبكر والدقيق يفتح الباب أمام خيارات علاجية فعالة يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً في حياة المصابين.

أما عن الحلول العلاجية، فقال مدبولي إنه بالرغم من أن العلاج الدوائي قد يكون ضرورياً لبعض الحالات، إلا أن الحلول غير الدوائية تشكل حجر الزاوية في خطة العلاج الشاملة، العلاج السلوكي المعرفي يُعد من أنجح العلاجات، حيث يساعد الأفراد على تحديد أنماط التفكير السلبية والسلوكيات غير الفعالة وتغييرها، مع التركيز على تطوير استراتيجيات للتنظيم وإدارة الوقت وحل المشكلات والتعامل مع الاندفاعية، كما أن التدريب على المهارات التنفيذية يهدف إلى تطوير المهارات الأساسية التي تتأثر بالاضطراب، مثل التخطيط وتحديد الأولويات وتنظيم المهام والتحكم في الانفعالات، ويبرز العلاج السلوكي كخيار فعال للبالغين الذين يعانون من تقلبات مزاجية أو صعوبة في التحكم في الانفعالات، حيث يركز على تنمية القدرة على تحمل الضغوط دون تصرفات اندفاعية وتطوير استراتيجيات لتنظيم المشاعر.

ويلعب الدعم النفسي والاجتماعي دوراً محوريًا في تحسين جودة حياة المصابين، مجموعات الدعم توفر بيئة آمنة لتبادل الخبرات والشعور بالفهم والانتماء، وتقلل من الشعور بالعزلة، كما أن تثقيف الأسرة والمقربين حول طبيعة الاضطراب يسهم في زيادة الدعم والتفهم، ويقلل من الوصمة الاجتماعية أو سوء الفهم الذي قد يتعرض له المصاب، ولا يمكن إغفال دور تعديلات نمط الحياة الصحية، فالحصول على قسط كافٍ من النوم، واتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة النشاط البدني بانتظام، جميعها عوامل تعزز التركيز وتقلل التوتر وتساعد في تفريغ الطاقة الزائدة، كما أن تخصيص وقت للهوايات والأنشطة المحببة يعزز من الشعور بالتحكم والرضا، ويمنح المصاب فرصاً للتعبير عن طاقاته بشكل إيجابي.

وأشار إلى أن الحياة مع فرط النشاط الحركي لدى الكبار ليست سهلة، لكن فهم الذات وطلب الدعم المناسب والالتزام بالعلاج النفسي والسلوكي يمكن أن يحول التحديات إلى فرص، كثير من المصابين يمتلكون قدرات إبداعية فريدة ومرونة عالية في مواجهة التغيرات وحماسًا وطاقة إيجابية إذا ما وُجهت بالشكل الصحيح، هناك جهود متزايدة لزيادة الوعي بالاضطراب في المجتمعات، بما في ذلك حملات التوعية وورش العمل ودعم الأسر، مما يشجع المزيد من الأفراد على طلب المساعدة والتحدث عن تجاربهم، الوعي المتزايد يساعد على كسر حاجز الوصمة ويشجع على البحث عن التشخيص والعلاج.

وفي نهاية المطاف، يظل فرط النشاط الحركي لدى الكبار تحدياً معقداً، لكنه ليس عائقاً أمام حياة منتجة وثرية، الفهم العميق للاضطراب، والالتزام بالعلاج النفسي والسلوكي، والدعم الاجتماعي المستمر، جميعها عوامل تفتح آفاقاً جديدة أمام المصابين لتحقيق إمكاناتهم الكاملة والعيش بفعالية ونجاح.

شاركها.