كعادتي اليومية، وبينما كنتُ أرتشف قهوتي في المكتب، وأحاول التركيز على الإيميلات الواردة متجاهلاً تنبيهات هاتفي التي لا تهدأ، تبادرت لذهني فكرة منطقية للغاية: متى يتحول الذكاء الاصطناعي من مجرد موضوع في المؤتمرات وأفلام الخيال العلمي إلى زميل حقيقي يشاركنا الاجتماعات ويساعدنا في اتخاذ القرارات، ويخفف عنا أعباء العمل اليومية؟

قبل أن تتهمني بالمبالغة، اسمح لي أن أخبرك أن هذه الفكرة لم تأتِ من خيالي الواسع فحسب، بل جاءت بعد قراءتي لعدة تجارب عالمية حقيقية حول إدماج الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل اليومية. هل تخيلت يوماً أن موظفاً واحداً، بمساعدة برنامج ذكي، يمكنه أن ينجز ما يفعله فريق كامل من البشر؟ نعم، بالضبط كما تتخيل، موظف واحد فقط، وبدون طلبات إجازة، أو مشاجرات على من يستحق الترقية أكثر!

في تجربة شركة «بروكتر آند غامبل» بالتعاون مع جامعتي هارفارد ووارتون، اكتشف الباحثون أن الموظف الذي يعمل بمساعدة 4GPT (هذا الذكي الاصطناعي الذي يشبه صاحبك «البصير» الذي يعرف كل شيء في المجلس!) يساوي في إنتاجيته فريقاً من شخصين يعملان دون هذه المساعدة. تخيل معي، شخص واحد بمساعدة تطبيق صغير، يعادل جيشاً من موظفين يقضون نصف الوقت في مناقشة من سيحضر شاي الكرك هذه المرة!

تجربة ثانية أكثر إثارة، قادها معهد ماساتشوستس الشهير MIT، شملت أكثر من ألفي شخص في تجربة عمل افتراضية. كانت النتيجة طريفة بعض الشيء: وجود الذكاء الاصطناعي جعل الناس يتحدثون مع بعضهم بشكل أقل عن المسلسلات والنميمة اليومية، وأكثر عن المهام الإبداعية. لا أعلم إن كانت هذه نتيجة جيدة أم سيئة، خاصة لمحبي السوالف اليومية في المكاتب، لكن الأكيد أن الإنتاجية ارتفعت بنسبة 60%، وأصبحت جودة العمل «عال العال».

أما التجربة الثالثة فهي من حكومة ولاية بنسلفانيا الأمريكية. قررت الحكومة إدخال «GPT» في العمل الحكومي، فكانت النتيجة توفير ساعة ونصف يومياً لكل موظف! ربما سيعترض المديرون عندنا لو طُبق ذلك خوفاً من أن يخسروا حجتهم المعتادة «ما عندنا وقت!»، التي يرددونها كلما طُلبت منهم أبسط معاملة.

المثير للسخرية هنا أن بعض المؤسسات وصل عدد موظفيها إلى ثلاثين موظفاً، ولا يزال المدير يردد في كل اجتماع: «أحتاج المزيد، ما عندنا وقت!». والحقيقة أن المشكلة ليست في عدد الموظفين أو حجم المشروع، بل في ضعف الإدارة التي تعجز عن استثمار هذه الموارد البشرية الهائلة بكفاءة. فالإدارة الناجحة ليست بكثرة الأيدي العاملة، بل بحُسن توزيع المهام والاستفادة الذكية من الأدوات الرقمية الحديثة. حينها فقط سيكتشف هذا المدير أن ما لديه يكفي لصنع إنجازات استثنائية، بدل التذمر الدائم من نقص الوقت وقلة الموارد.إذا كنت لا تزال متشككاً في أهمية الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، فدعني أذكرك كيف أصبح الجيميل والواتساب جزءاً أساسياً من يومك. قريباً جداً، ستصبح حسابات الذكاء الاصطناعي رفيقك اليومي الجديد في إنجاز الأعمال، وربما سنضحك سوياً في المستقبل على تلك الأيام التي كنا نعتقد فيها أن الذكاء الاصطناعي مجرد شخصية خيالية في أفلام هوليوود.

ختاماً، عزيزي المدير وصاحب القرار، لا تنتظر حتى يُجبرك الواقع على التغيير. بادر اليوم إلى تعزيز عملك بالذكاء الاصطناعي، لأنه وببساطة واقع قادم لا محالة، شئنا أم أبينا. فلا تكن أنت مَن يقف في وجه قطار المستقبل، لأنك بالتأكيد لا تريد أن تكون آخر الواصلين إلى محطة النجاح.

* خبير تقني

شاركها.