م.صبا العصفور

في مناظرة بين فريقين الأول عائلة غربية من ذوي البشرة البيضاء والآخر مجموعة من الشباب من ذوي البشرة السوداء، وقد غلبت العنصرية البغيضة والفوقية على حديث الفريق الأول وكأنهم شعب الله المختار، بينما الفريق الآخر اتسم بالموضوعية والمنطقية والمساواة بين كافة بني البشر بكل أشكالهم وألوانهم وأعراقهم، ثم قال شاب داكن السمرة: «من الداخل كلنا متشابهون!».

«من الداخل كلنا متشابهون» حقيقة كلّنا ندركها ومتأكدون منها، فلا يتردد ذلك العنصري الأبيض أن يقبل كلية أو دم أو قلب شخص أسود لينقذ صحته وحياته، بينما يفشل في الإقرار بها عند أول مواجهة ثقافية أو سياسية أو دينية أو عرقية أو طبقية.

تختلف أشكال العنصرية والتمييز بين المختلفين، وإن تشدّق كلٌ منهم بعبارات المساواة والتسامح والتواضع، فالثري لا يقبل بالفقير أن يجالسه في المحافل، وصاحب النسب لا يصاهر إلاّ من يكافئه اجتماعياً، وتتصارع المذاهب لأن كلاً منهم فقط الفرقة الناجية، وتتقاتل الطوائف لاستئثارهم بالجنّة التي لا تتسع لسواهم، وغيرها من الأمثلة التي لا تحصى لمناكفات الأديان والأعراق والتحزبات والطبقات.

في مجتمعاتنا التي تتعدد فيها الخلفيات والانتماءات، يصبح التسامح أكثر من مجرد فضيلة؛ بل ضرورة للحفاظ على تماسكنا الإنساني، ولعل أجمل ما في التسامح أنه لا يبدأ من فكرة «قبول الآخر كما هو»، إنّما اكتشاف «كم يبعد أو يقرب الآخر عنّا»، وننظر إلى ما يجمعنا بدل ما يفرّقنا، فنجد أن التسامح ليس تنازلاً، بل مساحة للالتقاء، والتعايش لا يتطلب التشابه، والاختلاف لا يمنع التقاطع.

سيسود التسامح بين المختلفين عندما يُنقل الحوار من منطقة الدفاع عن الهوية إلى مساحة الاعتراف بالمشتركات، وعندما يتحول الاختلاف من تهديد إلى فرصة لفهم أعمق للذات والآخر، ويُفهم الاختلاف على أنه طبيعي، وليس عيباً أو ضعفاً، ويتعالى الناس على الأحكام ويتحوّل السؤال من «لماذا هو هكذا؟» إلى «ماذا يمكن أن أفهم من تجربته؟».

حينها سيتوفر الأمان الاجتماعي والثقافي والشعور بالاحترام والكرامة، الأمر الذي يسمح لكل شخص من التعبير عن اختلافه دون خوف من الإقصاء.

أخيراً لا نحتاج إراقة الدماء كي نعرف بأننا متشابهون!

شاركها.