تشهد الكرة الأرضية تحولات مناخية متطرفة تهدد حياة الملايين، حيث تجتاح موجات الحر القاتلة أوروبا، بينما تضرب موجات البرد القارسة أمريكا الجنوبية. في أوروبا، أفادت نقابة الاتحاد الأوروبي للنقابات العمالية (ETUC) بارتفاع الوفيات الة بالحرارة في أماكن العمل بنسبة 42% منذ عام 2000، مع دعوات لتشريعات موحدة لحماية العمال. في المقابل، تسببت موجة برد غير مسبوقة في أمريكا الجنوبية، خاصة في الأرجنتين وتشيلي وأوروغواي، بوفاة ما لا يقل عن 15 شخصًا، معظمهم من المشردين. تسلط هذه الأحداث الضوء على التحديات المتزايدة التي يفرضها تغير المناخ على الصحة العامة والبنية التحتية.
موجات الحر في أوروبا: أزمة متفاقمة
تشهد أوروبا موجات حر متزايدة الشدة والتكرار، حيث ترتفع درجات الحرارة بمعدل يفوق ضعف المتوسط العالمي، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. في صيف 2025، تسببت موجة حر مبكرة بدأت في يونيو في وفيات في أماكن العمل في إسبانيا وفرنسا، مع تقارير مماثلة في إيطاليا واليونان خلال السنوات السابقة. وفي إيطاليا، أدت درجات الحرارة التي وصلت إلى 38 درجة مئوية إلى إصدار تحذيرات حمراء في 17 مدينة، مع حظر العمل الخارجي في بعض المناطق بعد الظهر. ومع ذلك، توفي عامل في بولونيا أثربسك الخرسانة تحت الشمس الحارقة، وتوفي شخصان مسنان على شواطئ سردينيا، وامرأة في باليرمو بسبب حالة قلبية تفاقمت بفعل الحرارة.
وفقًا للاتحاد الأوروبي للنقابات، يتعرض 23% من العمال في الاتحاد الأوروبي لدرجات حرارة مرتفعة لمدة لا تقل عن ربع الوقت، مع نسب أعلى في الزراعة (36%) والبناء (38%). عندما تتجاوز درجات الحرارة 30 درجة مئوية، ترتفع مخاطر الحوادث الة بالعمل بنسبة 57%، وتصل إلى 1015% عند تجاوز 38 درجة مئوية. تشمل الأعراض الأولية للإجهاد الحراري الدوخة والصداع وتشنجات العضلات، والتي قد تتطور إلى القيء وفقدان الوعي أو الوفاة إذا لم تُعالج.
الدعوة إلى حماية العمال
يدعو الاتحاد الأوروبي للنقابات إلى تشريعات موحدة على مستوى الاتحاد الأوروبي، تشمل تقييم المخاطر بناءً على الحرارة والرطوبة والتهوية، والحق في فحوصات طبية دورية، والتغيب عن العمل دون عقوبات في ظل الحرارة الشديدة. بعض الدول مثل بلجيكا (29 درجة مئوية للأعمال الخفيفة، 18 درجة مئوية للأعمال الثقيلة جدًا) وإسبانيا (27 درجة مئوية للأعمال المكتبية) وضعت حدودًا لدرجات الحرارة، لكن هذه القواعد غير شاملة، مما يعرض العمال لمخاطر متباينة.
تتسبب موجات الحر أيضًا في أضرار اقتصادية، مثل انقطاع الكهرباء في فلورنسا وبيرغامو بسبب الطلب المتزايد على تكييف الهواء، واحتراق المحاصيل الزراعية، وانخفاض إنتاج الحليب. تشير التقديرات إلى أن الحرارة تتسبب في وفاة 175,000 شخص سنويًا في أوروبا، وهو رقم قد يرتفع مع استمرار الاحتباس الحراري.
موجات البرد في أمريكا الجنوبية: مأساة إنسانية
في المقابل، ضربت موجة برد قارسة الأرجنتين وتشيلي وأوروغواي في يوليو 2025، متأتية من كتلة هوائية قطبية من القارة القطبية الجنوبية. تسببت هذه الموجة في وفاة ما لا يقل عن 15 شخصًا، معظمهم من المشردين، وفقًا لمنظمة Proyecto 7 في الأرجنتين. سجلت بوينس آيرس أدنى درجة حرارة منذ عام 1991 عند 1.9 درجة مئوية، بينما شهدت مدينة ميكوينشاو 18 درجة مئوية. في أوروغواي، أعلنت السلطات حالة “التأهب الأحمر” بعد وفاة ستة أشخاص، مما سمح بنقل المشردين قسرًا إلى الملاجئ. كما سجلت تشيلي درجات حرارة منخفضة وصلت إلى 9.3 درجة مئوية في مدينة تشيلان.
أدت موجة البرد إلى تحديات كبيرة، بما في ذلك انقطاع الكهرباء في بوينس آيرس لأكثر من 24 ساعة، وتعليق إمدادات الغاز للصناعات لضمان إمدادات المنازل. كما شهدت صحراء أتاكاما، وهي الأكثر جفافًا في العالم، تساقط ثلوج لأول مرة منذ عقد. يرى خبراء مثل راؤول كورديرو من جامعة سانتياغو أن هذه الظاهرة قد تكون ة بتغير المناخ، حيث أصبحت الكتل الهوائية القطبية تمتد أحيانًا شمالًا بشكل غير معتاد.
تأثير تغير المناخ
تُظهر هذه الأحداث المتطرفة تأثير تغير المناخ على كلا نصفي الكرة الأرضية. في أوروبا، أصبحت موجات الحر أكثر تكرارًا وشدة بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.3 درجة مئوية منذ العصر ما قبل الصناعي، مع توقعات بارتفاع يصل إلى 3 درجات بحلول عام 2100. في أمريكا الجنوبية، تُظهر موجات البرد القارسة أن تغير المناخ لا يقتصر على الاحتباس الحراري، بل يشمل أيضًا ظواهر متطرفة مثل الكتل الهوائية القطبية التي تصل إلى مناطق غير معتادة.
تؤدي هذه الظواهر إلى تفاقم الأمراض القلبية والتنفسية، حيث تزيد درجات الحرارة المتطرفة، سواء الحارة أو الباردة، من مخاطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية. كما تؤثر على البنية التحتية، حيث تتعطل أنظمة النقل العام والمستشفيات بسبب الضغط المتزايد.
الحلول المقترحة
في أوروبا، يدعو الاتحاد الأوروبي للنقابات إلى تشريعات موحدة لتحديد حدود درجات الحرارة في أماكن العمل، مع ضمان الفحوصات الطبية والحق في التغيب دون عقوبات. في أمريكا الجنوبية، تتخذ الحكومات تدابير طارئة مثل فتح الملاجئ وتوزيع الإمدادات، لكن هناك حاجة إلى استثمارات طويلة الأمد في البنية التحتية للتكيف مع الظواهر المناخية المتطرفة.
الخلاصة
تُبرز موجات الحر في أوروبا والبرد القارس في أمريكا الجنوبية الحاجة الملحة لمواجهة تغير المناخ. في أوروبا، تشكل الزيادة في الوفيات الة بالحرارة تحديًا كبيرًا، خاصة للعمال في القطاعات عالية المخاطر. في أمريكا الجنوبية، تهدد موجات البرد حياة الفئات الأكثر ضعفًا مثل المشردين. يتطلب التصدي لهذه الأزمات تعاونًا دوليًا لتقليل الانبعاثات، وتحسين البنية التحتية، ووضع سياسات لحماية السكان من الظواهر المناخية المتطرفة.