نظّم مركز عبد الرحمن كانو الثقافي، بالتعاون مع مركز دارة الأنصاري للفكر والثقافة، ندوة بعنوان “فكر محمد جابر الأنصاري: عقل بحريني مستنير”، بحضور كبير ورفيع المستوى من رموز الفكر والأدب والثقافة، إلى جانب نخبة من الأكاديميين والمهتمين، بمشاركة كل من الأستاذ علي عبد الله خليفة، والدكتورة ضياء الكعبي، والدكتور حسن مدن، فيما أدارت الجلسة الدكتورة معصومة المطاوعة.

وخلال الندوة، أعلنت الأستاذة هالة الأنصاري، عضو مؤسس دارة الأنصاري للفكر والثقافة، عن إطلاق “جائزة محمد جابر الأنصاري لإثراء الفكر العربي”، والتي تستلهم مضمون كتابه التحليلي الشهير “العرب والسياسة: أين الخلل؟”، مشيرة إلى أن الجائزة تهدف إلى تحفيز إنتاج فكري عربي رصين يعالج إشكالات الواقع السياسي والثقافي العربي. كما ثمّنت الأنصاري دور مركز عبد الرحمن كانو الثقافي في تسليط الضوء على فكر والدها الراحل، مؤكدة أن المركز كان دائمًا حاضنًا لنشاطاته ومساهمًا في دعم مساعيه الفكرية.

وفي كلمته، استعاد الشاعر والأديب الأستاذ علي عبد الله خليفة محطات شخصية ومهنية من علاقته بالراحل، مؤكداً أن الدكتور الأنصاري كان مفكرًا حصيفًا ذا رؤية مستقبلية، ومؤسسًا وداعمًا رئيسًا لأسرة الأدباء والكتاب البحرينيين منذ تأسيسها عام 1968، حين سعى بنفسه لنيل الموافقة الرسمية لتأسيسها. وأشار إلى دعمه المتواصل للأدباء الشباب، وحرصه على استقرار العمل الثقافي الأهلي في فترات الصراع السياسي والفكري، منوهًا برؤيته النقدية الثاقبة، وإصراره على نشر الوعي المجتمعي على المستوى العربي من خلال الفكر الموضوعي الذي تبناه في مختلف مراحل حياته.

من جانبه، قدّم المفكر الدكتور حسن مدن ورقة بعنوان “خلدونية محمد جابر الأنصاري”، أشار فيها إلى تأثر الأنصاري بالفكر الخلدوني في تحليله لبُنى الثقافة والمجتمع. وبيّن في مؤلفه “لقاء التاريخ بالعصر” كيف أن ابن خلدون كان نقطة إشعاع في زمن التراجع الحضاري، داعيًا إلى إحياء الخلدونية بأبعادها المعاصرة لتأسيس ثقافة عقلانية نقدية تستند إلى الواقع. كما استعرض مدن إهمال الثقافة العربية الحديثة للتراث العقلي النقدي مقابل هيمنة النزعة البلاغية والإنشائية، مشيرًا إلى أن الأنصاري كان من القلائل الذين حاولوا ردم هذه الفجوة عبر اشتغاله على البنية الفكرية والاجتماعية للثقافة العربية، وتحليله للتاريخ باعتباره مدخلًا لفهم الحاضر وصياغة المستقبل، مشددًا على دعوته لإحياء العقلانية في الثقافة العربية وبناء وعي مجتمعي تاريخي يتجاوز الخطابية والإنشائية إلى مقاربات موضوعية قادرة على فهم العالم وتغييره.

وقدّمت الدكتورة ضياء الكعبي، عميدة كلية الآداب بجامعة البحرين وأستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث المشارك، قراءة تحليلية في جانب من فكر الأنصاري، حيث تناولت كيفية تعامله مع مفاهيم التحوّل، والتعدد، والتاريخانية في الثقافة العربية. ولفتت إلى أن الأنصاري لم يكن ناقدًا للواقع العربي فحسب، بل كان أيضًا حالمًا بإمكانية تجاوزه، وأن مشروعه الفكري زاوج بين التحليل السياسي الرصين والرؤية الحضارية الواسعة. وأشارت الكعبي إلى أن الأنصاري قدّم أحد أبرز النماذج في التحليل الثقافي للفكر السياسي العربي، رافضة تصنيفه كفكر نخبوي، بل كتيار عقلاني جذّر الحوار داخل المجتمع.

وقالت: “إن كتابات محمد جابر الأنصاري النقدية تحتاج إلى ناقد يشتغل عليها بآليات نقدية تفكيكية وتاريخية ثقافية لمعرفة حجم الحراك والتناصات الثقافية الكبرى التي أحدثتها هذه الكتابات، خاصة أنه كان مشاركًا بعمق في الحركة الأدبية الجديدة في البحرين التي ظهرت أواخر الستينيات وازدهرت في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.”

وشهدت الندوة تفاعلاً لافتًا من الحضور، الذين أكدوا أن فكر الدكتور محمد جابر الأنصاري، النابع من عمق المجتمع الخليجي والعربي، لا يزال مرجعًا مهمًا لفهم التحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية في المنطقة، وأن مؤلفاته تمثل زادًا معرفيًا غنيًا للأجيال القادمة، بما تضمنته من تحليلات دقيقة واستشرافات مبكرة للواقع العربي. كما أثنى الحضور على المبادرة المشتركة بين “كانو الثقافي” و”دارة الأنصاري”، وعلى أهمية استمرار مثل هذه اللقاءات في تخليد الرموز الفكرية الوطنية ودعم مسارات الفكر النقدي العربي الحديث.

شاركها.