أمل محمد أمين
في شهر أكتوبر من كل عام، تتزين الشوارع باللون الوردي، رمز الأمل والقوة في مواجهة أحد أكثر الأمراض شيوعاً بين النساء — سرطان الثدي. هذا المرض لا يختار عمراً أو طبقة اجتماعية، لكنه أيضاً ليس حكماً بالموت، بل يمكن الانتصار عليه إذا ما امتلكنا الوعي والإرادة. ويُعدّ سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان انتشاراً بين النساء عالمياً وعربياً. ويحدث نتيجة نمو غير طبيعي في خلايا الثدي قد يؤدي إلى تكوّن أورام خبيثة. تكمن خطورته في تأخر اكتشافه، حيث إن كثيراً من النساء يهملن الفحص الدوري، ما يؤدي إلى اكتشاف المرض في مراحل متقدمة تقل فيها فرص العلاج والشفاء.
حيث تتأثر المصابة ليس فقط جسدياً، بل نفسياً واجتماعياً أيضاً، إذ تعيش حالة من الخوف والقلق، وقد تشعر بفقدان جزء من أنوثتها أو هويتها، وهو ما يستدعي دعماً عاطفياً وإنسانياً من الأسرة والمجتمع على حد سواء.
والعلاج الأكبر في الوعي هو السلاح الأقوى ضد المرض. والوقاية تبدأ بالمعرفة. يجب أن تدرك كل امرأة أن الفحص المبكر هو طوق النجاة، وأن اكتشاف الورم في مراحله الأولى يزيد من فرص الشفاء إلى أكثر من 95%.
وتتضمن طرق الوقاية ما يلي:
الفحص الذاتي الشهري للثدي بدءاً من سن العشرين.
الفحص السريري لدى الطبيب مرة كل سنة بعد سن الثلاثين.
إجراء تصوير الثدي بالأشعة (الماموغرام) بشكل دوري بعد سن الأربعين.
اتباع نمط حياة صحي: غذاء متوازن، ممارسة الرياضة، والابتعاد عن التدخين والمشروبات الكحولية.
كما يجب أن تلعب وسائل الإعلام والمدارس والمؤسسات الصحية دوراً محورياً في نشر الوعي، من خلال الحملات التوعوية والندوات وتوفير مراكز فحص مجانية أو منخفضة التكلفة.
وقصص الكفاح ضد المرض كثيرة ..وراء كل شريطة وردية، حكاية امرأة قاومت الخوف، تحدّت الألم، وابتسمت رغم كل شيء.
نعم إن سرطان الثدي.. كلمة تهزّ القلب لكنها لا تهزم الروح. قد تأتي الصدمة فجأة.. نتيجة تحليل، أو فحص لم تتوقّعه امرأة وهي في أوج حياتها. لكن الحقيقة التي يجب أن نتمسّك بها جميعاً هي أن سرطان الثدي يمكن الشفاء منه — إذا واجهناه في الوقت المناسب. إن أخطر ما يفعله هذا المرض ليس في الجسد، بل في الخوف الذي يزرعه داخل النفس.
ولذلك، فإن أول خطوة للعلاج تبدأ من الوعي، لا من الدواء. الفحص المبكر.. حب للحياة وليس خوفاً منها.
يا سيدتي الجميلة، الفحص ليس رفاهية، وليس شيئاً “يُؤجَّل إلى الغد”. إنه أمانك، وحقّك، ورسالة حبٍّ منكِ إلى نفسكِ، إلى أولادكِ، إلى من يحبونك. خمس دقائق فقط في كل شهر للفحص الذاتي، وزيارة سنوية للطبيبة، قد تنقذ سنوات من المعاناة، وتعيدكِ إلى حضن الحياة بقوة وثقة.
* كيف تفحصين نفسكِ بنفسك؟
إليك خطوات بسيطة يمكنكِ القيام بها في المنزل مرة كل شهر بعد انتهاء الدورة الشهرية:
قفي أمام المرآة ولاحظي شكل ثدييك — هل هناك أي تغيّر في الحجم، اللون، أو الشكل؟
ارفعي ذراعيك للأعلى وتفقدي إذا كان هناك أي انتفاخ أو تغير في الجلد أو الحلمة.
استخدمي أطراف أصابعكِ لتحسّسي الثدي بحركات دائرية خفيفة من الخارج إلى الداخل.
تحسّسي الإبطين والمنطقة العليا من الصدر بحثاً عن أي كتلة صغيرة أو صلابة.
إذا لاحظتِ أي تغيّر غير طبيعي “كتلة، إفراز، ألم مستمر، تغيّر في اللون أو الشكل”، توجهي فوراً للطبيبة.
* الفحص المجاني.. فرصة للحياة:
في بلداننا العربية، هناك مبادرات وطنية كثيرة توفر الفحص المبكر المجاني لسرطان الثدي عبر المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية.
يمكنكِ بسهولة حجز موعد عبر:
وزارة الصحة في بلدكِ أو تطبيقاتها الرسمية.
الجمعيات النسائية والمبادرات الوردية في مدينتك.
العيادات المتنقلة التي تزور المناطق السكنية خلال شهر أكتوبر.
لا تترددي في السؤال أو التقدّم — الفحص حياة، لا عيب فيه ولا خوف. كوني أنتِ البداية في نشر الوعي بين صديقاتكِ وأخواتكِ، فربما بكلمة منكِ تُنقَذ روحاً. إن سرطان الثدي ليس نهاية الطريق، بل بداية وعي جديد بأهمية صحتنا وحياتنا. فلنحوّل الخوف إلى دافع، والصمت إلى صوت توعية، والوردي إلى شعار للمحبة والدعم. لنجعل من كل امرأة تعرف وتفحص وتواجه — امرأة منتصرة بالحياة.
* رسالة إلى كل امرأة تحارب:
إلى من فقدت شعرها، لكنها لم تفقد كبرياءها. إلى من دخلت غرفة العلاج بابتسامة رغم الألم. إلى من احتضنت أطفالها وقالت: “سأتعافى لأجلكم”. أنتِ لستِ مجرد مريضة.. أنتِ مقاتلة. قلبكِ أقوى من الورم، وروحكِ أنقى من الخوف، وابتسامتكِ أجمل من كل ندبة. اعلمي أن الشفاء ممكن، وأنك لستِ وحدكِ. هناك من سبقنكِ في المعركة، وهناك من يستمدّ منكِ الأمل اليوم.
يا امرأة هذا العالم، امنحي نفسك وقتاً لتعتني بها، لا تنتظري أن يدقّ الخطر الباب. الفحص لا يعني أنكِ خائفة، بل يعني أنكِ تحبين نفسك بما يكفي لتحميها. ولكل من تجاوزت المرض، أو لا تزال تقاومه. أنتِ قدوة، أنتِ نور، أنتِ أمل لكل امرأة تسمع قصتك. تذكّري دائماً: الوردي ليس لوناً.. إنه حياة.