حسن الستري تصوير: سهيل وزير

أكد وزير الخارجية د. عبداللطيف بن راشد الزياني، أن الأمن والازدهار في الخليج والشرق الأوسط سيظلان هدفين بعيدَي المنال ما لم ينل الشعب الفلسطيني حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة، وتعيش في سلام وأمن إلى جانب إسرائيل.

جاء ذلك في الجلسة الحوارية الثانية التي عقدت تحت عنوان «تأمين الخليج: الدبلوماسية والاقتصاد والدفاع»، ضمن مؤتمر حوار المنامة في دورته الحادية والعشرين، والذي يعقد تحت عنوان «القوة الإقليمية وفن الحكم في ظل التغيرات العالمية» بتنظيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع وزارة الخارجية.

وأشار الوزير إلى أن الأمن الحقيقي متعدد الأبعاد، يتطلب تعاوناً صادقاً ومستداماً بين الدول، ويجب أن يُبنى على رؤية منسجمة مع تطلعات شعوب المنطقة تقوم على التعايش السلمي بين الأديان والثقافات والمعتقدات المتنوعة.

وأشار إلى أن البحرين تؤمن إيماناً راسخاً بأن أفضل سبيل لحل النزاعات هو الفهم المتبادل والحوار، من خلال تهيئة بيئة تتوحد فيها المجتمعات لمواجهة التحديات المشتركة، موضحاً أن التعليم والتبادل الثقافي عنصران أساسيان لتعزيز التسامح، وترسيخ الثقة، وضمان مساهمة كل صوت في صياغة المستقبل المشترك المنشود.

وأضاف الزياني، أن الأمن في جوهره يعني حماية أراضي الدولة، وصون سلامة المواطنين والبنى التحتية، والحفاظ على الترابط العالمي من خلال حرية الملاحة، والأمن السيبراني، وتدفق التجارة والمعلومات دون عوائق.

وأعرب عن قناعة البحرين، بأن الأمن المستدام يعتمد على التعاون الصادق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، واعتزازها بالشراكات الدفاعية مع الأشقاء في مجلس التعاون والشركاء الدوليين، من خلال التحالفات لمكافحة الإرهاب والقرصنة، وتعزيز الأمن البحري، وبناء القدرات.

وأشاد باستضافة البحرين لقوات التحالف البحري المشترك، المكوّن من 47 دولة تعمل على تأمين الممرات البحرية الحيوية في الخليج العربي والبحر الأحمر وخليج عدن، منوهاً بإنشاء مجلس وزراء الأمن السيبراني في جامعة الدول العربية مؤخرًا الذي يعكس النهج الاستباقي في مواجهة التهديدات المستجدة.

ولفت إلى أن هذا التعاون يتعزز أيضاً باتفاقيات مثل «اتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي» التي تنص على أن «الاعتداء على أي دولة هو اعتداء على جميع الدول»، مما يجعل من تعاوننا حجر الأساس للاستقرار الإقليمي، مشدداً على أن الأمن الحقيقي لا يمكن تحقيقه من قبل دولة واحدة بمفردها.

وقال الزياني: إن «التنمية الاقتصادية والتكامل الإقليمي عنصران أساسيان لتحقيق الأمن الحقيقي»، مشيراً إلى أنه لا يمكن لمنطقة مجزأة تعاني من عدم الاستقرار الاقتصادي، وتفتقر شعوبها إلى الأمل أن تكون آمنة بالكامل، ولكن يمكن من خلال تعزيز الترابط الاقتصادي، تحقيق فوائد مباشرة للمواطنين، وترسيخ الثقة والتعاون، وتقليل احتمالية نشوب النزاعات.

وأضاف أنه في إطار مجلس التعاون، فإن دول المجلس تمضي قدماً نحو استكمال الاتحاد الجمركي، وإنشاء السوق الخليجية المشتركة، ما يرسخ مفهوم المواطنة الخليجية الكاملة، إلى جانب تعميق علاقات التجارة والاستثمار العالمية، بما في ذلك إبرام اتفاقيات التجارة الحرة مع الشركاء الدوليين.

وأشار إلى أن الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار «CSIPA»، الموقّعة بين مملكة البحرين والولايات المتحدة الأمريكية، والتي انضمت إليه لاحقاً المملكة المتحدة، مثال عملي على الترابط بين الازدهار والأمن، ويجسد هذا الاتفاق حقيقة بسيطة ودائمة وهي أن أمننا المشترك لا ينفصل عن ازدهارنا المشترك، معرباً عن الأمل في أن ينضم إلى هذا الإطار مزيد من الشركاء الذين يتقاسمون رؤيتنا لنظام تعاوني قائم على مبادئ راسخة في منطقة الخليج.

وأكد على أهمية الدبلوماسية الفعّالة والتي تحترم السيادة، وتدعو إلى عدم التدخل، وتشجع على التسوية السلمية للنزاعات، وتغذي علاقات حسن الجوار، مؤكداً أن هذه هي الرؤية التي أرستها قيادة البحرين وستواصل تعزيزها، وستظل موجهة لسياستنا الخارجية، فيما نسعى إلى بناء «تحالفات من أجل السلام» نعمل من خلالها جماعياً لتحقيق منطقة أكثر أمناً واستقراراً.

وقال وزير الخارجية إن جوهر عدم الاستقرار المزمن في الشرق الأوسط يكمن في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ إن غياب حل عادل ودائم سيظل يقوّض كل الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن الحقيقي.

وذكر أننا في البحرين نشعر بتفاؤل كبير إزاء ما أفرزته الجهود الدبلوماسية الدولية الأخيرة حول غزة، المتمثلة في اعتماد «خطة السلام» التي قدّمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدعم من وسطاء إقليميين، مشيراً إلى أن هذه الخطة تمثل نقطة تحول تاريخية، حيث أسفر تنفيذ مرحلتها الأولى بالفعل عن وقف لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة.

وأضاف الزياني، أن هذه الخطة يمكن أن تشكل أساساً لسلام دائم ومستقر ومزدهر في غزة، يمهّد الطريق نحو سلام إقليمي أشمل، مشيراً إلى أهمية الالتزام بالجهود الدبلوماسية لضمان وفاء جميع الأطراف بالتزاماتها بصورة شاملة وبحسن نية، بدعم من جميع الدول التي تتطلع إلى السلام في الشرق الأوسط.

وقال إن «هذه الجهود يجب أن تقترن بحلّ ملف البرنامج النووي الإيراني عبر استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، بما يلبّي شواغل المنطقة، ودعم لبنان في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 واتفاق الطائف، ومساندة سوريا في مسارها نحو الاستقرار، وتأييد جهود المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان في تعزيز السلام في اليمن، ومساندة اللجنة الرباعية في جهودها للتوسط من أجل تسوية سلمية في السودان».

من جانبه، أكد وزير الخارجية في سلطنة عُمان، سعادة السيد بدر بن حمد البوسعيدي، أن الحوار الشامل والتفاهم المتبادل بين جميع الأطراف يمثلان الطريق الأمثل لتحقيق أمن واستقرار الخليج والمنطقة، مشددًا على أن سياسات العزلة أثبتت فشلها في ضمان الأمن الدائم، وأن النهج القائم على الانفتاح والشمول هو الكفيل ببناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

وأوضح أن سلطنة عُمان ترى أن الانخراط البنّاء مع جميع الدول، بما في ذلك إيران واليمن والعراق، ضرورة لتحقيق الأمن الإقليمي، معتبراً أن استبعاد أي طرف فاعل يسهم في تأجيج التوترات وإطالة أمد الأزمات.

وأضاف أن التاريخ قدّم شواهد واضحة على أن التعاون الاقتصادي والأمني المشترك هو الأساس لضمان أمن المنطقة واستقرارها.

وأشار وزير الخارجية في سلطنة عُمان، إلى أن السلطنة كانت وما زالت تدعو إلى إنشاء آلية شاملة للحوار الإقليمي تجمع جميع دول المنطقة، بهدف تعزيز الثقة المتبادلة، ودعم جهود حماية الملاحة البحرية، ومكافحة التهريب والتطرف، وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات المشتركة.

وقال إن «عُمان كانت تأمل خلال العام الجاري أن تشكل المشاركة الإقليمية البناءة فرصة لتعزيز الأمن، إلا أن بعض التطورات، كالهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران، عرقلت هذه المساعي»، مضيفًا أن إسرائيل، وليس إيران، هي المصدر الأول لانعدام الأمن في المنطقة.

وأوضح أن سلطنة عُمان ستواصل دعم المبادرات التي تعزز التعاون الدبلوماسي ومسارات التنمية والسلام، مشدّداً على أن الأمن الخليجي لا ينفصل عن الأمن الإقليمي، وأن الحوار البنّاء هو الخيار الأنجع لتحقيق استقرار دائم يصون كرامة الشعوب ويضمن ازدهارها.

من جانبه، أكد وزير الخارجية اليوناني، جورجيوس غيرابيتريتس، أن البحرين ودول الخليج لم تعد جهات فاعلة إقليمية فحسب، بل باتت مؤثرة عالمياً بفضل استثماراتها في الطاقة ودورها المحوري في استقرار الاقتصاد العالمي، موضحاً أن أمن الخليج يمثل ركيزة أساسية لتدفق التجارة والطاقة، ولضمان استقرار الأسواق الدولية.

وأضاف الوزير أن تأمين الخليج يعني تأمين حياة البشر، مشيراً إلى أن دول الخليج أصبحت شريكاً استراتيجياً لأوروبا في مجالات الأمن والطاقة والتنمية. وأعرب عن تفاؤله بوجود بصيص أمل في الشرق الأوسط بعد فترات من النزاع، مشيراً إلى أهمية التقدم في ملفي الرهائن ووقف القصف، والتوجه نحو حل الدولتين كطريق لتحقيق سلام مستدام.

وأكد غيرابيتريتس أن اليونان تنظر إلى نفسها كجسر بين العالم العربي وأوروبا، وتعمل على تعزيز التعاون مع دول الخليج في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن البحري ومكافحة التحديات العابرة للحدود.

وذكر أن بلاده بدأت مبادرات مشتركة مع السعودية لتعزيز التعاون العسكري، وأخرى مع الإمارات لتنسيق السياسات الخارجية وتبادل المعلومات.

وشدد الوزير على أن أمن المنطقة من أمن اليونان، لافتاً إلى أن موقع بلاده وسواحلها الممتدة يجعل من حماية طرق التجارة العالمية أولوية استراتيجية، مبيناً أن اليونان أدت دوراً فاعلاً في مجلس الأمن لحماية الممرات البحرية.

كما دعا إلى إنشاء ممرات جديدة بين أوروبا والشرق الأوسط لتعزيز التكامل الاقتصادي، مؤكداً دعم بلاده لاتفاقيات أبراهام، مشيراً إلى أن منطقة شرق المتوسط يمكن أن تكون محوراً رئيساً للتعاون الإقليمي.

كما شدّد على أهمية بناء شراكات جديدة لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، وفي مقدمتها الأمن السيبراني والطاقة، معتبرًا أن ضمان أمن المنطقة ضرورة عالمية.

من جانبه، ذكر الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في منطقة الخليج، لويجي دي مايو، أن القمة الخليجية الأوروبية المرتقبة ستكون محطة أساسية لتعزيز التعاون بين الجانبين وتحقيق نتائج ملموسة في مجالات الأمن والطاقة والاقتصاد.

وأوضح أن الاتحاد الأوروبي يعتبر أمن الخليج جزءًا لا يتجزأ من أمن أوروبا، مؤكداً أن الترابط بين الجانبين يجعل التعاون أمراً لا غنى عنه.

وأشار إلى أن دعم المبادرات التي تقودها دول المنطقة يعد ركيزة أساسية في سياسة الاتحاد الأوروبي، خصوصاً فيما يتعلق بملفات الأمن الإقليمي والعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.

وأضاف أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بدعم جهود بناء الدول واستقرار المؤسسات في كل من لبنان وسوريا، والعمل على تعزيز التنمية في المنطقة العربية من خلال شراكات اقتصادية وأمنية مستدامة.

كما أشاد دي مايو بدور دول مجلس التعاون الخليجي في المبادرات الدولية المتعلقة بالأمن والطاقة، وبمشاركتها الفاعلة في الملفات العالمية، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية. وأكد أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتوسيع برامج التعاون الدفاعي والاقتصادي مع المنطقة.

وأشار إلى أن جميع مواطني دول الخليج يستفيدون اليوم من تسهيلات في تأشيرات السفر إلى أوروبا لمدة 5 سنوات، كخطوة تعكس عمق الشراكة المتنامية.

وبيّن أن المرحلة المقبلة تتطلب الانتقال من النوايا إلى التنفيذ العملي، قائلاً: «لدينا عام واحد فقط لتحقيق إنجازات حقيقية تُترجم على أرض الواقع، وتُظهر قوة الشراكة الخليجية الأوروبية في بناء أمن واستقرار مستدامين».

شاركها.