حسن الستري
• التوجيه الملكي بتحويل ميزانيات الاحتفالات الوطنية للجمعيات والصناديق الخيرية يرسخ ريادة البحرين الخيرية
• 27 عقاراً مملوكاً للدولة تحت تصرف الجمعيات الخيرية دعماً للعمل الأهلي
• 271598 يتيماً وأرملة مكفولون وأكثر من 58 مشروعاً إغاثياً وتنموياً منفذاً
• 6075 أسرة بحرينية دعمتها 50 جمعية خلال 2022
• الأمم المتحدة أقرت يوم العمل الخيري في 2012 تخليداً لذكرى الأم تيريزا
في اليوم الدولي للعمل الخيري، تبرز مملكة البحرين كنموذج رائد في ترسيخ قيم التكافل والتضامن، مدعومة بأرقام وإنجازات تعكس حجم الحضور الإنساني على المستويين المحلي والدولي، فقد احتضنت المملكة أكثر من 675 منظمة مجتمع مدني و93 مقراً نشطاً للجمعيات الخيرية موزعة على مختلف المحافظات، بينها 27 عقاراً مملوكاً للدولة خُصصت لدعم العمل الأهلي.
وخلال الفترة من 2009 حتى 2025، استفاد ما يزيد على 71,576 شخص من مساعدات المؤسسة الملكية للأعمال الانسانية، التي نجحت أيضاً في كفالة نحو 271,598 يتيم وأرملة وتنفيذ أكثر من 58 مشروعاً إغاثياً وتنموياً داخل البحرين وخارجها.
وفي عام 2022 وحده، تمكنت 50 جمعية مناطقية من دعم أكثر من 6075 أسرة بحرينية عبر مساعدات غذائية ومالية ورعائية.
هذه الأرقام تعكس نهجاً ملكياً متجذراً، جسّده توجيه جلالة الملك المعظم بتحويل ميزانيات الاحتفالات الوطنية لصالح الجمعيات والصناديق الخيرية، لترسيخ البعد الإنساني في سياسات الدولة. كما عزّز سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، مكانة البحرين الدولية عبر قيادته للمؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية، محققاً إنجازات نوعية في التضامن والتكافل المجتمعي.
وبينما تؤكد الأمم المتحدة أن القضاء على الفقر يتطلب شراكات متينة بين الحكومات والمجتمع المدني والمنظمات الخيرية، فإن البحرين تقدّم اليوم تجربة متكاملة تُظهر أن العطاء الإنساني ليس مبادرة موسمية، بل استثمار في المستقبل ورسالة تضامن تسهم في بناء مجتمعات أكثر صلابة وشمولاً.
وفي الخامس من سبتمبر من كل عام، يحيي العالم اليوم الدولي للعمل الخيري، الذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، تخليداً لذكرى وفاة الأم تيريزا، رمز العطاء الإنساني والحاصلة على جائزة نوبل للسلام. وتأتي هذه المناسبة لتجدد التأكيد على الدور الحيوي للعمل الخيري في تعزيز التضامن العالمي، ومواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية التي تعصف بالمجتمعات، من الفقر والجوع إلى الكوارث الطبيعية والأزمات الصحية.
وإذا كان العمل الخيري يمثل قيمة إنسانية عابرة للحدود والثقافات، فإن البحرين تقدم نموذجاً بارزاً في ترسيخ هذه القيم على المستويين المحلي والدولي، بفضل جهود الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الخيرية المنتشرة في مختلف المحافظات.
أضحى العمل الخيري اليوم يتسم بسمات جديدة جعلت منه قوة محركة للتغيير الاجتماعي والتنمية الشاملة، ومن أبرز مقوماته:
العطاء المدفوع بالتقانة: بفضل المنصات الرقمية وأدوات الذكاء الاصطناعي، توسّعت مجالات العطاء وارتفع مستوى الشفافية في إدارة التبرعات. الريادة الشبابية: الشباب يقودون مبادرات اجتماعية مبتكرة، من مكافحة تغير المناخ إلى تعزيز ريادة الأعمال المجتمعية، بما يدعم التحول المستدام. العدالة والشمول: يركّز العمل الخيري الحديث على معالجة العوائق الة بالفقر مثل العرق والنوع والإعاقة والموقع الجغرافي، ويستثمر في حلول يقودها المجتمع المحلي. العطاء الأخلاقي الخاضع للمساءلة: مع اتساع نطاق العمل الخيري، برزت الحاجة لممارسته في إطار من الشفافية والمساءلة واحترام أولويات المجتمعات. الربط بين الفقر والمناخ: العديد من المبادرات الخيرية تدمج بين الحلول البيئية ومكافحة الفقر، بما يعزز القدرة على الصمود على المدى الطويل.
ويمثل اليوم الدولي للعمل الخيري فرصة لتسليط الضوء على التجربة البحرينية الرائدة، إذ تتميز المملكة بصياغة سياسات تنموية مستدامة جعلتها في طليعة الدول في هذا القطاع. ومن بين التوجيهات الملكية السامية توجيه جلالة الملك المعظم بتحويل ميزانيات الاحتفالات الوطنية إلى الجمعيات والصناديق الخيرية، وهو ما يعكس النهج الإنساني المتجذر في سياسة الدولة.
كما لعب سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، دوراً ريادياً في تعزيز مكانة البحرين على الساحة الدولية عبر قيادة المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية وتحقيق إنجازات نوعية في التضامن والتكافل الاجتماعي.ويُعد العمل الخيري في البحرين رافداً مهماً للتنمية الوطنية، إذ يسهم في سد الفجوات الاجتماعية التي لا تتمكن الخدمات العامة من تلبيتها بالكامل، ودعم الأمن المجتمعي عبر كفالة آلاف الأيتام والأسر المتعففة، وتمكين الفئات الهشة من خلال التعليم والرعاية الصحية، وتعزيز القيم الإنسانية القائمة على التكافل والتراحم بين المواطنين والمقيمين.
وفي تصريح سابق لوزارة التنمية الاجتماعية، تحتضن المملكة أكثر من 675 منظمة مجتمع مدني تسهم في تنفيذ برامج إنمائية واجتماعية مميزة بالشراكة مع القطاعين العام والخاص. وتشير بيانات الوزارة الصادرة في فبراير الماضي، رداً على مقترح برغبة، إلى أن البحرين تضم 93 مقراً نشطاً للجمعيات الخيرية موزعة على المحافظات: 34 في العاصمة، 11 في المحرق، 43 في الشمالية، و5 في الجنوبية. ويستفيد بعضها من 27 عقاراً مملوكاً للدولة، بما يعكس دعم الحكومة المستمر لقطاع العمل الأهلي والخيري.
أما على صعيد الخدمات، فقد أفادت جمعية البحرين الخيرية بأن أكثر من 71,576 شخص استفادوا من المساعدات الإنسانية المقدمة بين عامي 2009 و2025. كما تمت كفالة ما مجموعه 271,598 يتيم وأرملة منذ تأسيس الجمعية، إلى جانب تنفيذ أكثر من 58 مشروعاً إغاثياً وتنموياً داخل البحرين وخارجها.
وفي سياق دعم الأسر المتعففة، أظهرت دراسة اجتماعية عام 2022 أن 50 جمعية خيرية مناطقية ساهمت في تقديم المساعدات لـ6075 أسرة بحرينية، شملت الأرامل والمطلقات والأيتام والأسر بلا معيل. وتنوعت أوجه الدعم بين توزيع مواد غذائية وكوبونات شراء وأجهزة كهربائية ومبالغ مالية شهرية لضمان استقرار تلك الأسر.
وبحسب محللين، فإن العمل الخيري في جوهره ليس مجرد فعل تطوعي أو إحساني، بل تعبير عن التضامن الإنساني العابر للحدود. فوفق منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (2021)، يشكل العمل الخيري وسيلة لتوحيد البشر على اختلاف خلفياتهم ودعم المجتمعات في مواجهة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي.
ولم يعد العطاء الخيري اليوم محصوراً في تقديم الإغاثة العاجلة، بل أصبح يسهم في دعم نظم الرعاية الصحية والتعليم، وصون التراث الثقافي، وحماية الفئات الأكثر هشاشة، كما أضحى جزءًا من منظومة التنمية المستدامة المتكاملة مع جهود الحكومات والمنظمات الدولية. وتؤكد خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 أن القضاء على الفقر بجميع أبعاده يتطلب شراكات قوية بين الحكومات والمجتمع المدني وقطاع الأعمال والمنظمات الخيرية.
ويأتي اليوم الدولي للعمل الخيري هذا العام ليؤكد أن العطاء ليس مجرد مبادرات فردية أو موسمية، بل منظومة متكاملة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز التضامن الإنساني، وبناء عالم أكثر عدلاً وإنصافًا. وفي هذا الإطار، تبرز البحرين كحالة مميزة استطاعت دمج العمل الخيري في استراتيجياتها التنموية، مستندة إلى رؤية قيادتها، وجهود مؤسساتها الرسمية والأهلية، ومبادرات أبنائها المتطوعين.
وتجسد التجربة البحرينية في هذا المجال رسالة واضحة بأن العطاء الإنساني استثمار في المستقبل، وأن التضامن المجتمعي هو السبيل الأمثل لبناء أوطان أكثر صلابة ومجتمعات أكثر شمولاً.