نجاح عالمي لألبوم باد باني الجديد.. حنين للوطن ورسائل سياسية

“كان يجب أن ألتقط صوراً أكثر عندما كنت لا تزالين معي، كان يجب أن أقبلك وأعانقك أكثر في كل مرة كانت تسمح لي الفرصة بذلك.”
قد تبدو هذه الكلمات وكأنها مقتبسة من أغنية رومانسية، يتحدث فيها الفنان البورتوريكي باد باني عن حبيبته، إلا أنها في الحقيقة تعبير عن مشاعره تجاه بورتوريكو، وطنه الذي يشتاق إليه، في ألبومه الجديد Debí Tirar Más Fotos (كان يجب أن ألتقط صوراً أكثر).
الألبوم السادس لبينيتو أنطونيو مارتينيز أوكاسيو، المعروف عالمياً باسم باد باني، جاء في وقت بلغت فيه مسيرته الفنية ذروتها، فمنذ عام 2020، حافظ على مكانته كأكثر الفنانين بثاً على منصة Spotify لمدة 3 سنوات متتالية، كما شهد عام 2024 بيع جولته الغنائية Most-Wanted بالكامل، بالإضافة إلى فوزه بثلاث جوائز جرامي منذ انطلاق مسيرته.
وما يعزز نجاح الألبوم هو تصدره قائمة “بيلبورد” لأفضل 200 ألبوم عالمياً للأسبوع الثالث على التوالي، مع توقعات بتحقيقه أرقاماً قياسية جديدة.
نوستالجيا
يصف باد باني الألبوم بأنه سياسي من الطراز الأول، يحمل عبر أغانيه ثقافة وإرث بورتوريكو، ويعبرعن مخاوفه من الإمبريالية والعنصرية التي ما زال يواجهها شعبه، ويعكس اشتياقه وبعده عن بلاده بعد شهرته.
والألبوم، الإسباني بالكامل، لم يقتصر جمهوره على دول أميركا اللاتينية، بل تخطى ذلك إلى المهاجرين حول العالم، في فلسطين ولبنان والسودان، حيث بدأ المستخدمون في مشاركة صور ولقطات من هذه البلدان قبل الحروب والدمار، مرفقة بكلمات أغنيته “كان يجب أن ألتقط المزيد من الصور”، في توثيق مليء بالنوستالجيا والحنين للماضي، والأسف على ذكريات ولحظات وأماكن كانت موجودة.
من أبرز الأغاني التي تحمل رسائل سياسية، أغنية “ما حدث في هاواي”، حيث يقول فيها: “يريدون أخذ النهر والشاطئ أيضاً، يريدون أخذ الحي الذي تربيت فيه، وأن تخرج منه جدتي…”
وفي مقطع آخر، يوجه رسالة مباشرة لشعبه: “كلا، لا تتخلوا عن العلم ولا تنسوا الليلولاي (أغنية فولكلورية بورتوريكية)، لا أريد أن يفعلوا بكم، ما فعلوه بهاواي.”
أثارت هذه الكلمات تفاعلًا واسعًا بين الفلسطينيين على “تيك توك”، حيث ربطوا بين معاناة بورتوريكو وظروف الاحتلال في فلسطين، ما عزز البعد العالمي والسياسي للألبوم.
أرض الهوية المفقودة
بورتوريكو هي جزيرة تتمتع بالحكم الذاتي لكنها لا تزال إقليماً تابعاً للولايات المتحدة، مما يمنح سكانها الجنسية الأميركية دون التمتع بكامل حقوق المواطنين الأميركيين، ورغم المحاولات المتكررة للحصول على استقلال تام، لا تزال الجزيرة خارج اتحاد الولايات الأميركية.
أما هاواي، فقد أصبحت ولاية أميركية رسمية عام 1959، بعد تاريخ طويل من الاحتلال، وهو ما يعكس أوجه التشابه بين القضيتين التي أشار إليها “باد بَني” في أغانيه.
صدر الألبوم في 5 يناير 2025، في عز الشتاء، رغم حيوية نغماته وكونها صيفية بامتياز، ويبدو أن باد باني يمهد منذ الآن لحملة ترويجية ضخمة لبورتوريكو، خصوصاً مع إعلان بعض حفلاته المقبلة لتكون حصرية للبورتوريكيين فقط.
إلا أنه عبر كلمات أغانيه، سواء من هذا الألبوم أو أعماله السابقة، لا يزال يلفت “باد بني” انتباه العالم للواقع البورتوريكي، من انعدام الحقوق وتردي الأوضاع المعيشية وأزمة الهوية.
هذه التكهنات تعززها الانتشار الواسع لأغانيه على “تيك توك”، حيث يتداول المستخدمون مقاطع لرقصات “السالسا” التقليدية، ومشاهد توثيقية لبورتوريكو، إضافة إلى فيديوهات حميمية توثق تفاعل الآباء والأجداد مع أغنية NUEVAYoL، التي تعبر عن علاقة المهاجرين البورتوريكيين بمدينة نيويورك.
وقال باد بني في مقابلة مع مجلة Rolling Stone: “من المضحك أن الألبوم مخصص بالكامل لبورتوريكو، لكنه يبدأ في نيويورك، هكذا بدأ الألبوم نوعاً ما، سابقاً، عندما يسافر البورتوريكي إلى الولايات المتحدة، كانوا يقولون: (أنا ذاهب إلى نيويورك!) لذا كانت نيويورك تمثل رمزاً للخروج من الجزيرة، وفي نفس الوقت، حدثت أشياء مذهلة في نيويورك عندما كان اللاتينيون، وخاصة البورتوريكيين، هنا – تعاونا مع الكوبيين، مع الدومينيكانيين، كانت هناك موسيقى وفن”.
إعادة إحياء “السالسا”
من أكثر أغاني الألبوم انتشاراً BAILE INoLVIDABLE، وهي أغنية “سالسا” بامتياز، بدأها بمشاركة المخرج البورتوريكي جاكوبو موراليس، حيث ظهر “باد بَني” وهو يتعلم الرقص، وبمجرد وصوله إلى الاستوديو، يأخذ مكان موراليس حيث يتدرب ضمن مجموعة، وبينما يبدو في البداية وكأنه لا يستوعب الخطوات بشكل كامل، يصبح في النهاية راقصاً محترفاً.
وقد أسهم الألبوم حتى الآن في زيادة الإقبال على دروس تعلم السالسا، خاصة في الولايات المتحدة، حيث بدأ جيل جديد بإعادة اكتشاف التراث الموسيقي البورتوريكي الذي تعرض لتضييق حكومي طويل.
الغلاف وروح الألبوم
حتى غلاف الألبوم يحمل دلالة ثقافية عميقة، حيث تظهر فيه كرسيان بلاستيكيان في بستان، وهي كراسٍ معروفة عالمياً باسم “المونوبلوك”، وهي ليست مجرد قطع أثاث، بل تمثل رمزاً للحوارات الحميمة والمناقشات العائلية في المجتمعات البورتوريكية.
ومثلما تعكس الكراسي البلاستيكية التراث البورتوريكي، فهي تحمل دلالات عالمية، حيث تذكر الكثيرين بمشاهد المقاهي الشعبية والجمبات في السودان وشارع النيل في الخرطوم، حيث تجتمع الناس لتبادل الأحاديث السياسية والاجتماعية.
في وقت باتت الفردية والإنتاجية هي القيم السائدة، يبدو أن ألبوم باد باني يعيد طرح فكرة الانتماء والتواصل الإنساني، ومن خلال أغانيه، يسلط الضوء على الشعور بالوحدة، الاغتراب، والبحث عن الهوية، وهي مشاعر يشاركها معه شباب من مختلف أنحاء العالم، خاصة بعد تأثير جائحة كورونا.
وهكذا، لا يقتصر الألبوم على كونه نجاحاً موسيقياً عالمياً، بل يمثل أيضاً رسالة ثقافية وإنسانية، تعكس معاناة وحنين شعب بأكمله لوطنه.