10 سنوات ثورة 30 يونيو | الجهاز الإداري تحديات متوارثة وخطوات إصلاح جادة | أخبار وتقارير | بوابة الكلمة
يعاني الجهاز الإداري في مصر من مشكلات كثيرة موروثة منذ وقت طويل، وهي المشكلات التي تحد من كفاءته، وتقلل من رضا المواطنين عن أدائه، لذا وضعت الدولة المصرية خلال العشر سنوات الماضية قضية الإصلاح الإداري دائمًا على جدول أعمالها، وتبذل فيها جهدا تظهر آثاره في تسهيل المعاملات الحكومية وغيرها من جوانب تحسن الأداء، وما زال هناك الكثير من جوانب جهازنا الإداري التي تحتاج إلى إصلاح، في الوقت الذي توجد فيه بعض الانطباعات غير الدقيقة عن جهازنا الإداري، وهو ما تناقشه هذه الورقة البحثية.
ثورة على طريق الإصلاح الإداري
عكفت الإدارة المصرية خلال العشر سنوات الماضية على بناء خدمة مدنية جاهزة للمستقبل؛ إذ أدركت ضرورة وجود برنامج وطني لبناء قدرات موظفي الخدمة المدنية، يعمل على الإصلاح الشامل وبناء القدرات على المستويات الفردية والمؤسسية والعملية، من أجل تقديم خدمات عامة فعالة، والسعي في تطبيق الحد الأقصى للحوكمة من خلال اتباع الكفاءة والشفافية والحكم الرشيد، وذلك من خلال الخطوات التالية:
1 مكافحة الفساد
تعمل الدولة المصرية جاهدة لتفعيل المادة 218 لسنة 2014 والتي تنص على التزام الدولة بمكافحة الفساد والتزام الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحته، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية ضمانا لحسن أداء الوظيفة العامة، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية.
ومن أجل الحد من الفساد، عملت الدولة على تشريع قوانين وأنظمة تجرم أفعالا محددة، وتعاقب مرتكبيها، ووضعت استراتيجيتين لمكافحة الفساد؛ بهدف تطوير جهاز إداري كفء وفعال، وتقديم خدمات عامة ذات جودة عالية وتفعيل آليات الشفافية والنزاهة وتطوير البنية التشريعية الداعمة لمكافحة الفساد وتحديث الإجراءات القضائية تحقيقا للعدالة الناجزة، ودعم جهات إنفاذ القانون للوقاية من الفساد ومكافحته، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية الوقاية من الفساد ومكافحته، وتفعيل التعاون الدولي والإقليمي في منع ومكافحة الفساد ومشاركة منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في منع الفساد والوقاية منه.
هذا بالإضافة إلى تأسيس الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد والتي تعد جزء لا يتجزأ من هيئة الرقابة الإدارية وفقا للقانون رقم 207 لسنة 2017 بهدف تحقيق التميز في مجال الدراسات والبرامج التدريبية، وتطوير البحوث وابتكار حلول جديدة للحد من ظاهر الفساد.
وبالإضافة إلى هيئة الرقابة الإدارية، فإن مصر تتعدد لديها الأجهزة الرقابية ومنها: الجهاز المركزي للمحاسبات والهيئة العامة للرقابة المالية والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، وهيئة الرقابة والبحوث الدوائية، وهيئة الرقابة على المصنفات الفنية ومصلحة الرقابة الصناعية، وكل تلك الأجهزة تهدف في الأساس إلى مكافحة الفساد في شتى المجالات.
2 التعاون الدولي في مجالات الحوكمة
استعانت الإدارة المصرية بأفضل الممارسات العالمية في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فقررت التعاون مع دولة إستونيا للاستفادة من تجربتها في رقمنة الخدمات الحكومية، بعد نجاحها في التحول إلى دولة رقمية وإتاحة الخدمات الإلكترونية في عدة مجالات، ومن أبرزها: التصويت الإلكتروني، ومجلس الضرائب الإلكترونية والأعمال الإلكترونية والخدمات المصرفية الإلكترونية والتذكرة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني .
وتعتزم الدولة المصرية الاستعانة بالتجربة الإستونية كذلك في مجال التحول الرقمي، حيث تعد من أكثر المجتمعات الرقمية تطورًا في العالم، لا سيما المتعلقة بالهوية الرقمية والسياسات والقوانين التنظيمية لتحقيق التحول الرقمي، وحوكمة البيانات هذا بالإضافة إلى تعاون مصر وإستونيا في مجال تكنولوجيا الأمن السيبراني فإستونيا تعد دولة رائدة في هذا المجال، ويشمل التعاون أنشطة فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية وتبادل المعلومات حول سياسات الأمن السيبراني السائدة وأفضل الممارسات، بالإضافة إلى التعاون في بناء القدرات.
وبهذا فإن مصر في طريقها إلى رقمنة جميع الخدمات المقدمة للمواطنين في الدولة، حيث رصدت مصر في ميزانية 20202021 نحو 13 مليار جنيه لدعم جهود التحول الرقمي ومكافحة الفساد، مما يقلل من تدخل العنصر البشري في الخدمات المقدمة للمواطنين، من خلال معايير وآليات تضمن توفير أكبر قدر من النزاهة والشفافية والحيادية، ويُغلق بشكل عام أوجه استغلال المواطنين عن طريق الرشوة أو الفساد في تقديم الخدمات والمرافق.
وشهدت مصر إنشاء مجمع الإصدارات المؤمنة والذكية الذي يعد الأحدث في تصنيع وإصدار كافة الوثائق والمحررات المؤمنة والذكية والبيومترية ومكوناتها، والنظم المعلوماتية للوزارات والهيئات والمصالح وكافة الأجهزة الحكومية وهيئاتها. وتتمكن الدولة، من خلال الهوية الرقمية المؤمنة، من إنشاء علاقة فردية مع المواطنين للتأكد من حصولهم على حقوقهم كاملة وفقا لمجتمع “رقمي آمن” يستخدم أحدث الأدوات التكنولوجية لضمان جودة وكفاءة الخدمات الحكومية المقدمة، مما يعزز الثقة في المجتمع.
ووفرت الدولة كذلك عدة وسائل لتقديم الشكاوى عبر الإنترنت من أي موقع جغرافي، ويأتي في مقدمتها “البوابة الإلكترونية لمنظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، والتي تعد إحدى خطوات تطبيق برامج التحول الرقمي الذي تتبناه كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها للارتقاء بجودة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن؛ إذ إنها تمكن المواطن من تتبع الشكوى عبر الإنترنت مع الإدارات المعنية والرد عليها خلال فترة محددة.
3 قانون الخدمة المدنية
بعد أكثر من 200 تعديل على قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 المنشور في الجريدة الرسمية يوم 20 يوليو عام 1978 والذي استمر لنحو 43 عامًا دون تحسن أو تطور ملحوظ في الجهاز الإداري للدولة، وأصبح يعاني من نماذج سياسة الهيمنة والتقاليد الإدارية العقيمة والنقص المالي والمصالح الراسخة التي تعد قيودا ثقيلة أمام متابعة الإصلاح الإداري؛ ظهرت بوادر التغيير، وضمن الانفتاح الدوري المسارات الإصلاح في الجمهورية الجديدة تم وضع خطة تحديثية للجهاز الإداري.
فتم إقرار قانون الخدمة المدنية عام 2017 ضمن خطة الإصلاح الإداري والذي يهدف إلى مكافحة الفساد الإداري عن طريق بناء جهاز إداري كفء وفعال يتسم بالشفافية والعدالة والنزاهة وتكافؤ الفرص، ويخضع للمساءلة، ويولي الاهتمام برضا المواطن، ويتيح الخدمات العامة بعدالة وجودة عالية؛ وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة كأساس لنظام العمل وترسيخ الحوكمة في عمليات التعيين في الجهاز الإداري للدولة، ويتم التعيين على أساس الكفاءة والجدارة دون محاباة أو وساطة، وكذا الترقي بناء على الكفاءة وليس الأقدمية والاستناد على آليات الموارد البشرية الحديثة، من أجل رفع كفاءة الموظفين وتحديد حقوقهم وواجباتهم.
4 البرامج التدريبية
تم إنشاء قاعدة بيانات “طاقات” بهدف إنشاء خريطة للقوى البشرية المتاحة داخل الدولة المصرية وقاعدة بيانات الاستشاريين وقاعدة بيانات المدربين وقاعدة بيانات معاوني ومساعدي الوزراء، وقاعدة بيانات الشؤون الوظيفية، وفيها يتم تسجيل كل ما يتعلق بالشؤون الوظيفية، وقاعدة بيانات الأحكام القضائية، وتضم الأحكام القضائية التي تصدر لصالح موظفي الدولة الحاليين أو السابقين.
وتم كذلك وضع ضوابط ومعايير صارمة لانتقاء المعينين الجدد في الجهات الحكومية، من خلال مسابقة مركزية إلكترونية نقيس الجدارات والقدرات بما لا يسمح بأي شكل من أشكال الواسطة. إلى جانب تطوير ورفع كفاءة العاملين القدامى ورفع شأن الجهاز الإداري للدولة. بالإضافة إلى بلورة خطة الانتقال للعمل في العاصمة الإدارية الجديدة، إذ وضعت الخطة التنفيذية لتدريب الموظفين المرشحين للانتقال للعاصمة الإدارية وتم الانتهاء من تدريبهم في الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، وكذلك التدريب على برامج التخصص الوظيفي بالتعاون مع الجهات المعنية، وتنمية قدراتهم على عدة تطبيقات إلكترونية من قبل معهد نظم المعلومات بالقوات المسلحة إلى جانب إطلاق مدونة السلوك الوظيفي لتعزيز قيم النزاهة لحسن أداء الوظيفة العامة ومنع الفساد، مع تضمين قسم المراجعة الداخلية بالجهاز الإداري للدولة للمساهمة في الحد من ممارسات الفساد.
ذلك علاوة عن تزويد الأكاديمية الوطنية للتدريب للعاملين بالجهاز الإداري للدولة من التنفيذيين بالمهارات اللازمة للارتقاء بمسيرتهم المهنية وفقًا لأعلى المعايير العالمية، والاستفادة من تجارب الدول المختلفة في مجال الإدارة العامة والخدمة المدنية، وتوفير فرص للتعاون والاستفادة من الخبرات الدولية في مجال القطاع العام والحوكمة.
5 حرية تداول المعلومات
الحق في تداول المعلومات هو استحقاق دستوري، ومقوم أساسي من مقومات تحقيق التنمية؛ إذ نص دستور 2014 في المادة 68 على أن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، ويحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدا”.
وتبنت الحكومة المصرية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان “2021 2026” إصدار قانون لتنظيم حق الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات الرسمية وتداولها. حيث يتم مناقشة حرية تداول المعلومات على أجندة الحوار الوطني القائم حاليا، للخروج بقانون تتوافق عليه كافة القوى الوطنية، ويأخذ في الحسبان إنشاء آلية قانونية قادرة على تطبيق حرية تداول المعلومات بما لا يتعارض مع الأمن القومي للدولة.
كانت الأمانة العامة للحوار الوطنى أعدت تقريراً بمناسبة ذكرى ثورة يونيو المجيدة جاء تحت عنوان “10 سنوات ثورة 30 يونيو.. حصاد مثمر وآفاق واعدة” ويتضمن الحديث حول إنجازات الدولة المصرية تحت لواء الرئيس عبدالفتاح السيسى في ١٠ سنوات، وذلك عبر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.