ريتّا دار
أدرك أنّك تشعر بالوحدة.
وأنّ العالم حولك يمضي مُسرعًا غير عابئ بألمك.
أعرف أنّك لا تتنفّس بحريّة، وكأنّك تحمل عبئًا غير محسوس يُثقل قلبك وكاهلك.
لن أقول لك “تشجّع وتجاوز الألم”، لأنّ الأمر ليس سهلا.
أنا هنا لأقول لك: “أنا أراك، أسمعك، فامنحني الفرصة لأفهمك”.
الاكتئاب لا يظهر في الأشعّة أو التّحاليل، لكنّه حقيقيّ وموجود، كوحش يسلبك طاقتك ومطلوب منك أن تُحاربه كلّ يوم لتنجو بعقلك.
وحش يجعل نهوضك من السّرير صباحًا مهمّة شاقّة، لا ترى سببًا واضحًا ومُقنعًا لها.
الاكتئاب ليس مُجرّد حزن عابر، أو لحظة ضعف؛ بل هو ما يجعل العالم يبدو خاويًا، بلا ألوان أو صوت. يدفعك للتشكيك في كلّ شيء، حتّى في نفسك وأحلامك ووجودك.
هو لا يسرق منك الحياة، بل يسرق منك القدرة على عيشها أو الإحساس بها.
في مجتمعاتنا، ما زلنا نُخفي المرض النّفسيّ كما نُخفي العيب، ولا تزال كلمة “مُكتئب” مُخيفة، ووصمة عار، ويرافقها عادة سخرية، أحكام مُسبقة ونظرات شكّ حتّى من أقرب النّاس، ممّا يسلب حقّ المُصاب في العطف والفهم والتّقبّل.
هو يحتاج فقط إلى مساحة آمنة يقول فيها “أنا لست بخير” دون أن يضطر للتمثيل بأنّه قويّ ومتماسك.
يُصنّف الاكتئاب في الطب النفسي عمومًا إلى عدّة مستويات حسب الشدة والتأثير، مع بعض الحالات الخاصة كالاكتئاب الموسمي، أو ما بعد الولادة.
وحسب الطبيب النفسي الشهير “فيكتور فرانكل”، فإنّ كل نوع له أعراضه وأسبابه وطرق علاجه المختلفة، لكن، المشترك بين الحالات جميعها هو أنّ الاكتئاب لا يمكن عزله عن الأبعاد الثلاثة الرئيسية للإنسان: الجسدي، الّفسي والروحي.
وهذا كله يظهر في انخفاض الحيوية والطاقة، فقدان الشهية واضطرابات النوم، ومشاعر الذنب، والعجز، والانسحاب الاجتماعي، وفقدان الإيمان بالهدف أو القيمة، وفقدان المعنى.
وأعتبر أنّ أعظم ما قاله فرانكل في هذا المجال هو أنّ “الإنسان بإمكانه أن يصمد في وجه أيّ معاناة، إذا عرف لماذا يتألّم”، فمعرفة السّبب هي باب الحلّ.
أعلم أنّ تحديد السبب ليس سهلًا دائمًا، لكنّني أدعوك لطلب المساعدة.
قد تخاف أن تتحدّث لأنّك تعتقد أنّ لا أحد سيفهمك، قد تخاف أن تُظهر ضعفك، لكن صدقني أنّ الاعتراف بوجود الألم والحاجة للمساعدة هي الشجاعة الحقيقية، فتحدّث مع من تثق بهم، أو مع غريب حتّى، لا مشكلة.
إذا كنت تعاني، لا تخف، أنت لست وحدك.
لا تستسلم للظلام، حتّى وإن بدا مُغريًا.
كلّ يوم هو فرصة جديدة، وكلّ خطوة مهما بلغ صغرها هي انتصار.
أنت إنسان جميل، يستحقّ الحبّ، والفرح، والسلام.