د. مجدي العفيفي

(1)

في زحمة الأيام، وبين صخب الحياة، تتسابق العيون وراء الخوارق.. تُسحر بالطيران، تتعجب من من يمشي فوق الماء، وتختزل المفاجآت في قدرات تبدو خيالية، لكن الحكيم، الذي يرى ما وراء السطح، له رؤية أعمق، ورؤيا أقوى: «الذباب يطير، واللوح يطفو.. فما قيمة ذلك أمام نور القلب الذي لا يقيده مكان، ولا يحده زمان».

حين سُئل عن معجزة شخصٍ قادر على الطيران، فأجاب ببساطة: «هذا أمر غير مهم، فالذباب والبعوض يطيران».

وعندما أُشير إليه بأن فلانًا قادر على السير فوق الماء، قال: «وهذا أيضًا غير مهم، فلوح الخشب يطفو على الماء».

وعند سؤالهم له فما هي المعجزة؟ كانت إجابته مفاجئة لكنها صادمة في بساطتها: «أن تمشي بين الناس وتصبر على أذاهم، ولا تفقد مبادئ الأخلاق، فلا تكذب، ولا تسرق، ولا تغش، ولا تغتب، ولا تخون ثقتهم واعتمادهم عليك، ولا تكسر قلوبهم».

(2)

المعجزة ليست في كسر قوانين الطبيعة، ولا في إظهار القوة الجسدية، ولا في الخوارق التي تدهش العيون.. المعجزة الحقيقية هي ما ينبعث من داخل الإنسان: صدق القلب، صفاء الروح، حكمة العقل، وثبات المبادئ وسط فوضى العالم وضغوطه.

(3)

أن تكون إنسانًا يعني أن تصبر على أذى الآخرين، وأن تبقى صادقًا حين يغريك الكذب، وأن تحافظ على نزاهتك حين يسهل عليك الغش، أن تفي بوعودك رغم الصعاب، وأن تحمي قلوب الآخرين حين يكون كسرها أسهل من الصبر.

كل هذه الأفعال، مهما بدت صغيرة، تتراكم لتصبح شعاعًا من النور يضيء حياة الآخرين.

(4)

نور الصمت.. في صمتك، حين لا يراك أحد، حين تختار الابتسامة بدل الغضب، حين تمنح من دون أن تنتظر المقابل، حين تصبر على القسوة ولا تردّ الإساءة، هناك يولد نور المعجزة، شعاع صغير لكنه خالد، يتسلل إلى القلوب، ويترك أثرًا لا يزول.

(5)

المعجزة في الحياة اليومية

كل صباح جديد هو فرصة لمعجزة صغيرة: كلمة صادقة، ابتسامة تهدي قلبًا حزينًا، صمت يحمي كرامة الآخرين، عون لمن يحتاج، حماية للقلوب من الكسر.

المعجزات اليومية، رغم صغرها، تتجمع لتصبح نورًا مستمرًا، يفوق كل خوارق الطبيعة، وأعظم من كل قدرات مادية.

(6)

المعجزة ليست مبررًا… المعجزة ليست ذريعة لتجاوز الأخلاق، ولا سببًا للإساءة، ولا مبررًا للخطأ.

المعجزة معيار، ودعوة للنظر إلى القوة الداخلية، القدرة على الصمود، على التسامح، على الحب في مواجهة القسوة، قدرة لا تقدر بالمال، ولا تُقاس بالسلطة، ولا تُرى بالعين، لكنها تشع نورًا داخليًا يغير العالم ببطء، ويصنع حياة.

(7)

 الإنسان الذي يضيء الطريق.. الإنسان الحقيقي هو الذي يحافظ على مبادئه وسط الفتن، ويصمد أمام الإغراءات، ويضيء الطريق للآخرين بهدوء، قدرته على الثبات في الخير، على الصبر في مواجهة الشر، على الحب حين يكون الكره سهلًا، تفوق أي خوارق يعرفها البشر.

المعجزة هي أن تظل أنت، رغم كل شيء، إنسانًا كاملًا.

(8)

ابحث عن المعجزات، لا في السماء أو في البحر؛ بل في الصبر، في الوفاء، في الحب الذي لا يعرف حدودًا، في الكلمة الصادقة، الابتسامة التي تريح قلبًا حزينًا، الصمت الذي يحمي كرامة الآخرين، الرحمة التي لا تنتظر شكرًا، والعطاء الذي لا يطلب مقابلًا.

كل هذا نور، وكل هذا حياة، وكل هذا معجزة تتجلى يوميًا.

(9)

في كل صباح، حين تفتح عينيك، اعلم أن كل اختيار بين الصواب والخطأ، كل كلمة تقولها، كل موقف تتصرف فيه بنزاهة وصدق، هو شعاع من نور المعجزة.

الحياة مليئة بالتحديات، والناس يخطئون، والألم موجود، لكن يمكنك أن تكون المعجزة في عيون من حولك، أن تكون قلبًا صافيًا، يدًا ممتدة، ونورًا يسير بين الظلال.

(10)

المعجزة ليست في الطيران، وليست في السير على الماء، وليست في المظاهر التي تدهش العيون، المعجزة هي أن يبقى قلبك صافيًا، وروحك نقية، ونواياك صادقة، وأن تمشي بين البشر محملًا بالحب والخير والرحمة.

أن تكون إنسانًا، بكل ما تعنيه الكلمة من ضوء ونقاء، هو أعظم المعجزات، المعجزة التي تتجاوز السماء والأرض، المعجزة التي تترك أثرًا خالدًا في حياة من حولك، المعجزة التي تضيء كل الظلام وتزرع السلام في النفوس.

(11)

كل يوم فرصة للمعجزة..

فلنعتبر كل يوم فرصة لنكون المعجزة التي يراها الناس في قلوبنا قبل أعينهم.

لنغمر حياتنا بالكرامة، لنحب بلا شروط، لنغفر بلا حدود، ولنصبر بلا كلل.

كل لحظة نعيشها بصدق، كل قرار نتخذه بنزاهة، كل ابتسامة نرسلها بصدق، كل موقف نثبت فيه على الأخلاق، هو شعاع من نور المعجزة.

(12)

المعجزة الكبرى ليست فيما نراه؛ بل فيما نصنعه: نور في قلب الآخرين، شعاع في دروب الحياة، مثال حي للإنسانية، وجود يضيء العالم بلا مظاهر أو بهرجة.

أن تكون إنسانًا هو المعجزة الحقيقية، وما عداه مجرد وهم زائل، ضوء يختفي مع أول نسمة صمت.

أما الإنسان، فبقدر نوره، يخلّد المعجزة ويجعل منها حقيقة أبدية.

شاركها.