اخبار عمان فاطمة البادية
في بحر الفنون التشكيلية تجد مختلف الموانئ الفنية التي تأخذك نحو آفاق الإبداع اللامتناهي، تغوص بك في أعماق الأساليب الفنية والتقنيات المتنوعة لتُبهرك بتشكيلات خلاّقة، خُلقت بأناملٍ وضعت لمساتها وخلّفت بصمتها لتشكل هوية فنية فريدة، تروي ألوانها مسيرة فنان استحقت أعماله أن تُخلّد لقادم الأجيال، وهو إدريس الهوتي الفنان العُماني الذي انفردت لوحاته بمزيج من دفء الماضي مع تفاصيل الحاضر.
ترعرع إدريس الهوتي في حارة الجبل بمطرح ونشأ على حب الرسم والخط العربي، مستلهماً أفكاره وإبداعه من ربوع بلاده، وانضم خلال التسعينات إلى مرسم الشباب وجمعية الفنون التشكيلية، إلى جانب عمله في جامعة السلطان قابوس رساماً وخطاطاً ومصممًا جرافيكي، وكان لهذه المحطات دور كبير في صقل تجربته الفنية.
نشأ الهوتي وسط عائلة شغوفة بالفنون التشكيلية حيث اعتاد على الرسم منذ الصغر، حينها كانت لوحاته جدران البيت والدفاتر واستلهم أعماله من بيئته حيث البيوت متلاصقة وألفة النَّاس من حوله والجبال المحيطة بهم ثم يضيف إليها لمسته الخاصة، بعد ذلك ارتاد الهوتي المدرسة وفيها بدأت تسطع موهبته بين أقرانه إذ لقي اهتماما وتشجيعاً من عائلته لينضم لاحقاً إلى مرسم الشباب عام 1992، والذي كان الانطلاقة الحقيقية نحو شغفه بالفنون التشكيلية.
استوحى الهوتي أعماله من المناظر الطبيعية والبيوت القديمة والقلاع إلى جانب تفاصيل الأبواب والنوافذ، ليمزجها برسم الوجوه تاركاً بصمته عليها، وذكر بأن معظم أعماله هي تجسيد لمشاهد من الذاكرة، ليعيد صياغتها في تكوين بصري مصحوب بشيء من المشاعر التي ترمز للحنين إلى الماضي.
صقل الهوتي مهاراته وتجربته في الفنون من خلال التجربة وحب التطلع للأفضل. ويقول: “كل عمل لديّ هو خطوة للبحث عن الأفضل ثم لا ألبث إلا أن أشعر أنه بإمكاني أن أنجز ما هو أفضل من ذلك فأنطلق نحو غيره”. ولفت إلى شغفه في تجربة أساليب وطرق وتقنيات وألوان جديدة في أعماله الفنية.
ومن ناحية الأساليب الفنية، بدأ الهوتي بإنجاز أعماله على أسلوب المدرسة الواقعية، ثم انتقل إلى السريالية ثم الانطباعية فالتجريدية، والتي كانت بمثابة محطات مُلهمة ساهمت في تكوين منظوره الفني الخاص. وأشار إلى إمكانية تصنيف أعماله الحالية على أنها أعمال فنية تجريدية تعبيرية.
عمل الهوتي كإخصائي فنون في مركز الشباب، إلى جانب تقديم أكثر من 20 ورشة فنية للشباب في سلطنة عُمان، من خلال مرسم الشباب والجمعية العمانية للفنون التشكيلية وجامعة السلطان قابوس، وعدد من الجهات الخاصة.
وشارك الهوتي في أكثر من 100 معرض دولي ومحلي على مدار 33 سنة، ذكر منها مجموعة معارض “تجليات بصرية”، ومعرض فضاءات ملونة، وملتقى بيت الزبير الدولي للفنون، وغيره. إلى جانب تنظيم عدد من الملتقيات كملتقى بيت الغشام الدولي للفنون، والكثير من المعارض الدولية في الدول العربية والأوروبية، والآسيوية. وحصلت أعماله على 19 جائزة في مسابقات فنية داخل سلطنة عمان وخارجها، إضافة إلى استخدام بعضها في أغلفة بعض المنشورات الأدبية والمجلات.
يرى الهوتي أن الحركة الفنية المحلية تحتاج لتفعيل دور الجمعية العمانية للفنون التشكيلية ولمرسم الشباب كذلك، والتي تراجع دورهما خلال السنوات القليلة الماضية، إذ يجب إعادة تنشيطهما وتقييم مستوى إنتاج الأعمال الفنية المحلية. وأوضح: “سبق أن قدّمت هذه الملاحظة لبعض القائمين في الإدارة، وللأسف لم يتم الاستجابة لها”، لافتاً إلى ضرورة الموازنة بين المستوى الفني في مقابل إقامة الفعاليات.
أما بالنسبة لدخول الذكاء الاصطناعي على المشهد التشكيلي، يؤكد الهوتي أنه لن يأخذ مكان الفنان كما لم تستطع الكاميرا أخذ مكانه من قبل، فالعبرة ليس بجمال العمل الفني فقط، بل كيف تمَّ إنجازه؟ وهنا يكمن الفرق بين إنجاز الرسام والإنجاز الإلكتروني.
ويوجه الفنان نصيحته لجمع الفنانين العمانيين، بأن يستمروا في تجربة كل جديد في عالم الفن من تقنيات وأساليب بالإضافة إلى استكشاف كل الاحتمالات والفرص لتطوير مستوياتهم الفنية والتغيير، مشيراً إلى أنَّ التجربة تعطي الفنان خبرة تؤهله لمواصلة الإبداع والانطلاق نحو آفاق أوسع. وتابع قائلا: “أقول هذا لأني شهدت عددا من الفنانين ذوي الإمكانات الجيدة يقومون بتفصيل أسلوب خاص لأنفسهم في وقت مبكر، فيحبس نفسه فيه دون أن يسمح لنفسه بخوض التجارب المختلفة والتي تكسبه الخبرة وتؤهله لمستويات فنية أعلى”.