سلطان بن خلفان اليحيائي

 

 

 

في لحظة مفصلية من تاريخ منطقتنا، وفي ظل تصاعد مأساة غزة بين حصار وتجويع وقصف متواصل، جاء الردّ الصادم الذي زلزل الأرض تحت أقدام المُعتدين، لا بفعل الطبيعة، بل بفعل غضبٍ تراكم وصبرٍ نفد. لم يكن زلزال تل أبيب تطورًا عسكريًا عابرًا، بل لحظة أعادت ضبط البوصلة الأخلاقية والسياسية في الشرق الأوسط.

الدولة التي طالما وُصفت زورًا بالخطر، وتعرضت لحملات التشكيك والاتهام، هي اليوم في مُقدمة المدافعين عن قضية الأمة المركزية: فلسطين. الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رغم ما نالها من تشويه وتسييس، اختارت أن تكون في الصف الأول، حين آثرت قوى أخرى الصمت أو الارتهان لحسابات ضيقة وضغوط خارجية. موقف طهران لم يكن ردة فعل عاطفية، بل ترجمة لمبدأ راسخ: نصرة المظلوم واجب لا خيار.

وتبرز سلطنة عُمان بموقفها المتزن ونظرها العميق، فقد أثبتت مسقط مرة أخرى أن علاقتها بطهران ليست خيارًا مرحليًا، بل رؤية استراتيجية لواقع المنطقة وتحولاتها. وما يحدث اليوم يثبت صواب القراءة العُمانية وضرورة مراجعة الانطباعات المشوّهة التي صاغها الإعلام لا الواقع.

وبين ثبات الجزائر في رفض التطبيع، وتريّث القاهرة في مسارها الإقليمي، وانخراط بعض العواصم في سياسات لا تخدم إلا أعداء الشعوب، تتضح اليوم معالم اصطفاف جديد: من يقف مع المبادئ، ومن اكتفى بدور المتفرج.

لقد وقعت دول كثيرة في فخ الصمت، بل انساقت خلف سرديات مُضلِّلة، غُيّب فيها الوعي الجمعي، حتى باتت قراراتها تُملَى من خارج حدودها. وهو ما يجعل لحظة اليوم اختبارًا حقيقيًا لمدى التزامنا كدول وشعوب بمبادئ العدل والسيادة والكرامة.

﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (الحج: 48).

لقد زُلزلت تل أبيب، وارتبكت حسابات القوى الكبرى. لم يعد مقبولًا أن نبقى أسرى تحالفات بالية أو رهائن لاصطفافات أيديولوجية. الدفاع عن فلسطين ليس مهمة إيران وحدها، بل مسؤولية الأمة جمعاء. إنها لحظة تتطلب شجاعة الاعتراف قبل اتخاذ القرار، وشجاعة القرار بعد الاعتراف.

وما عاد الصمت مُمكنًا. من تردد في نصرة فلسطين لن يكون بمأمن حين تدور الدائرة. ومن سكت عن ظلم اليوم قد يُدركه العقاب غدًا، حين لا تنفعه لا تحالفاته ولا مجاملاته.

﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ…﴾ (العنكبوت: 40).

 

ليست هذه الآيات وعيدًا للغابرين فقط، بل إنذارٌ واضحٌ للحاضرين. إنها لحظة تاريخية لا تحتمل الحياد. فالمواقف تتكشف، والمبادئ تُختبر، والخذلان له ثمن لا يُمحى من سجل التاريخ.

فأين قاعدة “المسلم أخو المسلم” من واقع التخاذل المخزي؟ كيف نغضّ الطرف ودماء إخواننا تُسفك، وكرامة الأمة تُهان؟ إما أن نقف اليوم مع كرامتنا، أو نُسجّل كأمة خانت وعدها وتنكّرت لمبادئها.

﴿وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمْرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).

شاركها.