د. إسماعيل بن صالح الأغبري

إيران تلك الجغرافيا الواسعة والمساحات الشاسعة، التي تتجاوز 1.6 مليون كيلومتر مربع، ما يجعلها متعددة الثروات والطاقات؛ سواء الكامنة في باطن الأرض من الذهب الأسود أو الغاز أو البادية على سطحها مما وهب الله الطبيعة فيها من أنهار وزروع.

إيران ذات الموقع المرتبط، بما يسمى سابقا بأوروبا الشرقية، وخاصة ذات الاتصال الجغرافي بالجمهوريات الإسلامية الدائرة آنفًا في فلك الاتحاد السوفيتي؛ أي إنها يمكن أن تصبح همزة الوصل بين هذه الجمهوريات وبين الدول العربية الباحثة عن تعدد المنافذ لأغراض التجارة والاستثمار أو السياحة والأسفار، كما يمكن أن تصبح إيران الملاذ للعرب الباحثين عن متنفس آخر يختلف عن غرب أوروبا، والتي مارست عليهم ثقافة الاستعلاء والأمر والإملاء، والآخر هو ما يسمى بشرق أوروبا الذي قد يشاركهم كثيرًا من القيم والمبادئ والمُثُل.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما لديها من رصيد تأريخي وحضارة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ يمكنها مع الدول العربية أن تلتقي على ما يعزز المكانة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية فتصبح المنطقة إقليمًا صاعدًا مُستقلًا عن سطوة الاستعلاء والإملاء القادم من الغرب.

تلك إيران من الناحية التاريخية، وكيف يمكن للعرب الاستفادة منها لو تخلص الكثير من العرب من النظرة الضيقة ذات الأبعاد المنغلقة القومية والمذهبية. أما اليوم فالجمهورية الإسلامية الإيرانية يمكن أن تصير ردءًا للعرب وكهفًا وحصنًا لهم وموئلًا تصد عنهم جملة السيل العارم من الضغوط القادمة من الغرب وإسرائيل؛ فالجمهورية الإسلامية هي الدولة الوحيدة من بين سبع وخمسين دولة إسلامية لا تعترف بإسرائيل دولة قائمة ذات سيادة، وتعتبِر هذا الموقف موقفًا مبدئيًا عقائديًا (أيديولوجيًا) لا يجوز التنازل عنه شرعًا؛ وبذلك كان يمكن للعرب مواجهة ضغوط التطبيع بهذه القوة الإيرانية المجاورة لهم.

وإيران الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي الداعمة سرًا وجهرًا وبالمال والعتاد جميع أشكال المقاومة ضد إسرائيل؛ سواء أكانت منطلقاتها إسلامية كحماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين أو حزب الله في لبنان أو أنصار الله في اليمن، أو منطلقاتها غير إسلامية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ذات التوجه الاشتراكي أو الجماعات المُقاوِمة ذات التوجه الوطني والقومي، فكان يمكن للعرب أن يستظلوا بهذا الجانب في التملص من ضغوطات الغرب عليهم من أجل التطبيع مع إسرائيل بحجة الخوف من خلق جبهات في أراضيهم ذات أيديولوجيات ترفع السقف عاليا في العداء لإسرائيل.

إيران بما تمتلكه من ترسانة صاروخية بالستية وما أحدثته الصناعات الحربية من تقنيات الطائرات المسيرة، والتي كانت الركن القوي الذي ركنت إليه روسيا خلال الأزمة المندلعة بينها وبين أكرانيا خاصة في بداية اشتعالها، جميع ذلك كان يمكن للعرب اتخاذه عذرا في الإفلات من ضغوط الغرب من أجل التطبيع مع إسرائيل، بل كان يمكن للعرب المماطلة إلى أقصى الحدود في عدم التطبيع بحجة وجود قوة في المنطقة يُحسب لها ألف حساب، وهذا إن لم يرد أحد منهم الإفادة من إيران في استنساخ مكامن قوتها وسر إقدامها على النهضة في مجالات معرفية وعسكرية.

خلال هذه الجولة من الحرب بين إيران وإسرائيل والتي اندلعت فجر يوم الجمعة 13 يونيو 2025 والتي استمرت 12 يومًا وبناءً على التقارير التي أفادت بأن إسرائيل لا منافس لها في هذه المنطقة في المجالات العلمية والمعرفية إلّا إيران؛ بل إن إيران تقدمت في بعض مجالات الفيزياء على إسرائيل، وهو ما يُقلقها؛ إذ ربما قد تكون مفاعلات إيران النووية للأغراض السلمية قد تأثرت إلا أنها لم تزل تحتفظ بالعقول والبحث العلمي ما يدل على أن الغرب وإسرائيل يضعون ضوابط شتى من أجل التحكم في المعارف والعلوم في العالم الإسلامي.

لا شك أن ضعف الجمهورية الإسلامية الإيرانية إن وقع له نتائج سلبية على البلاد العربية؛ ومنها: انكسار كافة أشكال المقاومة لفقدانها الظهير والنصير؛ وبذلك تكون إسرائيل في حراكها وهيمنتها كالسد الذي انهار فاندفعت مياهه مغرقة جميع من يحيط بها، وكذلك صيرورة إسرائيل الرقم الأوحد الذي يأمر وينهى في المنطقة، ومعاودة إسرائيل والغرب لأقصى الضغوط من أجل تطبيع جميع الدول العربية معها وإرهاصات ذلك بادية للعيان؛ حيث إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، سيضغطان دبلوماسيًا واقتصاديًا من أجل مزيد من توقيع اتفاقيات إبراهام، التي تنص على التطبيع مع إسرائيل بالإكراه، كما إن اعتبار رئيس وزراء إسرائيل (نتنياهو) نفسه مجدد إسرائيل بعد نشأتها الأولى عام 1948، وأنه من الممكن أن يصبح شعار إسرائيل على خارطتها وعلى حائط الكنيست بأن حدودها من النيل إلى الفرات شعارًا واقعيًا، يدفعه إلى مزيد من الضغط لتحقيق التطبيع وأهدافه، على أن النبوءات التي يتحاكم إليها الإسرائيليون حسب نصوصهم الدينية، آتية لا محالة، خاصة وأن نتنياهو ردَّد بعد إيقاف تبادل إطلاق النار بين إيران وإسرائيل مصطلحات دينية، وذهب إلى حائط البراق (المبكى) ليصب الدموع شكرًا للرب الذي وقف مع بني إسرائيل؟! ولا ننسى أن الصهيونية المسيحية تدعم هذا التوجه على اعتبار التعجيل بنزول المسيح المخلص في أرض الميعاد، وبذلك اجتمعت على العرب ما بدأ يشيع في بعض بلاد الغرب وما تؤمن به زعامات إسرائيل وبروتوكولاتها.

إن تراجع قوة إيران لا سمح الله سيؤدي إلى مزيد من سعي إسرائيل نحو قضم عدد من الدول العربية، وإن لم يكن ذلك فلا أقل من فرض هيمنة سياسية واقتصادية ومعرفية على هذه الدول.

وإذا كان الشاه قبل قيام الجمهورية الإسلامية هو العصا الغليظة والشرطي الذي أقامه الغرب سيفًا مُسلَّطًا على عدد من البلاد العربية، فإن اليوم إسرائيل باتت شرطي الغرب وعصاه الغليظة في هذه البلاد!

لذا.. على العرب أن يتنبهوا أن إسرائيل لم تنشأ لوحدها؛ بل إن الغرب تواطأ على نشأتها وزراعتها؛ فهي مدعومة بقوى كبرى، ثم إن قيامها ليس مجرد قيام دولة واستقلال شعب؛ بل قيامها مصبوغ بأيديولوجية وعقائد مأخوذة من الكتب المُحرَّفة، ومدفوع قيامها بثارات الانتقام، والنظرة للأغيار على أنهم دون “شعب الله المختار”!

ومن كان عقائدي النشأة لا تلجمه إلّا قوة عقائدية أخرى، والعرب الذين تراقصوا طربًا على قيام إسرائيل بالعدوان على إيران، قد يعضون أصابع الندم لاحقًا بسبب ما سيفقدونه من هوية بلدانهم واستقلالها أمام المارد الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا وغربيًا، ثم قد يقفون يومًا يذرفون الدموع عند حائط (المبكى) طلبًا إلى العودة إلى حائط البراق، فلا يؤذن لهم ولا يستطيعون.

فوا أسفا.. متى العرب من سُباتهم يفيقون؟

شاركها.