الأرض وحق المواطن | جريدة الرؤية العمانية

مدرين المكتومية
نُولد في هذه الحياة على أرض، ونعيش في أرض أخرى، نكبر ونترعرع وننمو في مكان، وتتلقفنا أماكن أخرى، نخرج من تلك الدائرة العائلية الصغيرة التي ننعم فيها بالحماية، لنذهب لمكان بعيد كل البُعد عنَّا، وعن بساطتنا، نجد أنفسنا في العاصمة مسقط لا شعوريًا بحكم العمل، نترك خلفنا كل شيء لنبدأ من جديد حياة مُختلفة، نكون نحن الأساس فيها، من الريف للمدينة، وتأتي الأعياد لنعود من المدينة إلى الريف.
إنها قصة تواصل حضاري من القرى للمدينة، ومن المدن للقرى، بدأت وانطلقت مع النهضة العُمانية الحديثة، تلك التي بدأها السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه.
كانت تلك الرحلة تحتاج لتوازن حتى تخلق هذه المدينة التي نفخر بها ونعيش فيها، حيث أعطي حق الحصول على أرض للأبناء من خارج مسقط، وأصبح بذلك لديهم أرضهم وجذورهم في مكان المنشأ المرتبط بالقرى التي في المناطق والمحافظات المختلفة الأخرى، فأصبحت مدينة متنوعة يعيش عليها مختلف العائلات العمانية وهذا التنوع بين أن يكون لك وجود بالمدينة وأيضاً لك جذورك الأخرى التي تعود إليها في المناسبات أعطى توازنا حقيقيا.
وعلى مدى عقود، كانت قطعة الأرض التي يحصل عليها المواطن تمثل الملاذ الآمن والمنطلق نحو مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا، كما ساهمت في انتعاش الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فعلى المستوى الاقتصادي، ساعد نظام توزيع الأراضي على المواطنين في انتعاش قطاع المقاولات وتجارة مواد البناء، بمختلف احتياجاتها، وتنمية المحافظات بشكل كبير وواسع، كما ساهم في نمو قطاع البنوك، وذلك لقيامها بعملية تمويل البناء، وأسهمت هذه السياسات في تحقيق تنمية عمرانية واجتماعية واسعة، خرجت بالإنسان العُماني من ضيق القرية إلى فضاء المدينة الرحب المليء بالفرص والازدهار.
وكان منح الأرض للشباب يمكنهم من بناء أنفسهم والذهاب بها نحو الحياة التي يريدونها، فمن خلال تلك الأراضي، استطاع الكثير من الشباب الذين قد يكونوا اليوم أصحاب أعمل وربما لديهم حياة مختلفة لا ترتبط فقط بالوظيفة. ومن بناء هذه الأراضي وجد البعض منهم فرصة لبيعها وبدء تجارة بسيطة. والبعض الآخر عمل في بيع وشراء هذه الأراضي التي هي كانت سببًا من أسباب انتعاش القطاع الخاص وتمكين الشباب من إيجاد فرص حقيقية تجعلهم قدوات أمام غيرهم من الشباب.
يجب أن نكون مؤمنين إيمانًا تامًا بأن الحضارة هي البناء، وهي تلك الفكرة التي نتحدث عنها تحت مفهوم “تنمية المحافظات”؛ وهي بالطبع تعتمد اعتمادا كاملا على أبناء المنطقة والعمل على تأهيلها بكافة السبل.
ومع علمنا بالضوابط التي صدرت قبل سنوات قليلة، والتي تحد من تملُّك المواطن للأرض، وحصر الأمر في كثير من الحالات على الأسرة (الزوجين) وليس المواطن والمواطنة بشكل مستقل، فإنَّ الكثير من المواطنين، ولا سيما من فئة الشباب، أصبحوا غير قادرين على الحصول على قطعة أرض، كحقٍ لهم كمواطنين، وهو الإجراء الذي ظل ساريًا حتى سنوات قليلة.
وباعتقادي أنَّ الحديث عن شُح الأراضي، أمر غير مُبرر، فما تزال الولايات عامرة بالأراضي البيضاء، وكثير منها في مناطق يصلح البناء فيها، لكن الأزمة تكمن في عدم توافر الخدمات والبنية الأساسية في هذه المناطق، ومن ثم فإن أي قرار بإنشاء مخططات عمرانية فيها، يستلزم توفير الخدمات الأساسية فيها، من مياه وكهرباء واتصالات وطرق داخلية، ويبدو أن المخصصات المالية لمثل هذه المشاريع ليست كما كانت في السابق. لذلك الحل يكمن في عقد اتفاقيات شراكة بين القطاعين العام والخاص، لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية مقابل رسوم يدفعها المستفيد من المواطنين على سنوات طويلة.
حقيقة أن الأرض هي أصل البناء والتقدم، لا يجب أن نغفل عنها أبدًا، وعلى الجهات المعنية الكف عن التفكير المالي البحت، وأن أي تحرك أو مشروع أو مبادرة تضيف تكاليف جديدة على ميزانية الدولة يتم الاستغناء عنها أو تأجيلها في أفضل الأحوال، لم يعد مقبولًا، في ظل حالة الركود الاقتصادي التي يواجهها الجميع. يجب أن نعلم أن التوسع في مشاريع البنية الأساسية مهما كلفنا ذلك هو بناء في مستقبل هذا الوطن، ووضع الأسس الراسخة لضمان مستقبل أكثر استقرارًا للمواطن.
وأخيرًا.. إنني أوجه نداءً صادقًا إلى من يهمه الأمر، بضرورة عودة منح كل مواطن قطعة أرض، يبني عليها منزله، أو يستغلها في بدء تجارة جديدة، أو تكون له عونًا في المستقبل لمواجهة تقلبات الدهر، وعلينا أن نخرج من دائرة مسقط والباطنة، وأن يكون توزيع الأراضي في كامل أنحاء عُمان، وعلى المواطن أن يقبل أو يرفض، وبذلك تكون قد تحققت العدالة للجميع، ونجحنا في تنفيذ التنمية العمرانية التي نأمل.