سما بنت عبدالله الكلبانية

الأسرة هي الملاذ الأول والمصنع الأساسي لغرس القيم والأخلاق لإعداد أجيال ناجحة وواعية قادرة على العمل والابتكار؛ فالإنسان مهما اتسعت دائرة علاقته الإنسانية لا يمكنه الاستغناء عن المنشأ الأول والملجأ الآمن الذي ترعرع فيه بذكرياته وطفولته فسرعان ما يهرول عائدا إلى عائلته.

وللوالدين دور مهم في توطيد وتثبيت العلاقة مع أبنائهم؛ فكلما زرع الأب والأم طموحات جليلة وعالية في عقول أبنائهم، زادت قدرتهم على تحديد مسار حياتهم وانتقائهم لأصدقائهم بما يتناسب مع تربيتهم التي نشأوا عليها منذ نعومة أظفارهم. والتربية مسؤولية عظيمة لا تقتصر فقط على تلبية احتياجاتهم المادية أو مجرد تعليم وكساء وطعام؛ بل هي بناء شخصية مستقبلية تؤهلهم للتفاعل السليم والإيجابي مع أفراد المجتمع الخارجي، عبر توفير الحب والثقة والرعاية الأساسية وحمايتهم من الأخطار والمؤثرات السلبية.

كل ذلك يحتاج من الأب والأم التحلي بالصبر والحكمة في توجيههم؛ فهو بمثابة نموذج يقتدى به في تعزيز الانضباط والمسؤولية.

التربية الحقيقية تبدأ من نبرة دافئة لا بالصراخ والصوت المرتفع الذي يزرع الخوف والانغلاق. وفي زمنٍ تتهافت فيه التطورات التقنية أصبحت التربية عملًا شاقًا، لكن عندما يتحد دورا الوالدين بالتعاون والتوازن في تحسين السلوك لأبنائهما، يثمران بيئة صحية ونفسية تنعكس لاحقًا على علاقاته وانخراطه مع العالم.

الأم والأب خلية متكاملة ويجب عليهما أن يتعاونا في وضع خطة تربوية مشتركة، وعليهما أن يتبادلا الأدوار وأن يدعما بعضهما البعض في العملية التربوية. ويسعيا في تحقيق أهدافها التي تستند إلى الحب والتفاهم والوعي.

لكن على الجانب الآخر، هناك أجنحة صغيرة تتكسر؛ حيث أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يعيشون مع أسرة غير سوية؛ سواء بالإهمال أو المشاكل العائلية تؤدي إلى نتائج سلبية على سلوك الأبناء ويكونون أكثر عرضة للقلق والتوتر وعدم القدرة على التعامل مع مشاعرهم. وقد تنشأ فجوات بين الوالدين؛ فتصبح الحوارات أساليب صعبة تسلب منهم حق الاحتواء. فكم من شاب أو طفل وقف في المنتصف بين التوجيهات المتضاربة حائرًا لا يعرف لنفسه طريقاً.

إنَّ بناء مجتمع سوي وواعٍٍ، يبدأ من حجر الزاوية وهم الوالدين. ومن رحم هذه العلاقة تتشكل ملامح الغرس. وكل أم وأب مسؤول عن ولده وتربيته.

وأختم بالحديث النبوي “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”، جعلنا الله وإياكم ممن يقومون بمسؤولياتهم كاملة.

شاركها.