علي بن عبدالحسين اللواتي
لا شك أن التدريب على مختلف المستويات والأصعدة يُعدّ مؤشرًا حيويًا على تقدم المجتمعات ورُقيّها. وقد أولت القيادة الرشيدة منذ عقود هذا الجانب اهتمامًا خاصًا، عبر تبني وسائل متعددة تراعي المتغيرات الزمنية ومتطلبات كل مرحلة.
والتطور الذي تشهده العديد من المؤسسات العامة والخاصة اليوم، ما هو إلا ثمرة لجهود تراكمت عبر السنوات، وتوسّعت في إطارها الحالي من حيث التنوع والانتشار.
وتُعدّ الأكاديمية السلطانية للإدارة ركيزة أساسية في تأهيل الكفاءات القيادية والإدارية، لما لها من أثر مباشر وغير مباشر في دعم الاقتصاد الوطني بشقيه العام والخاص.
إيمانًا بالإمكانات المتقدمة لهذه الأكاديمية الفتية، أرى أن لديها فرصة ذهبية لتؤدي أدوارًا أوسع وأكثر شمولًا، مع الحفاظ على المكتسبات الرائعة في مهام تدريب النخب؛ بما يخدم شريحة أكبر من أبناء المجتمع، وذلك من خلال التحول من كيان تدريبي إلى مركز لصناعة المعرفة وتعميمها. ويمكن تحقيق ذلك عبر المبادرات التالية:
أولًا: تأسيس منصة أكاديمية مفتوحة للبرامج التدريبية: يمكن للأكاديمية أن تحول برامجها التدريبية إلى منصة أكاديمية مفتوحة، تتيح التدريب لجميع المواطنين باستخدام التكنولوجيا الحديثة. هذا النموذج يضمن تعميم الفائدة ويسهم في تيسير الوصول إلى المعرفة، كما يتيح خيارات واسعة ومتعددة لمتلقي التدريب في المجالات التي تتناسب مع عملهم ومستواهم.
ثانيًا: إنشاء مركز لإنتاج المعرفة والأبحاث التطبيقية؛ فقد كنت أقرأ قبل عدة أيام كتابا يتحدث عن المعرفة الإنتاجية مقابل المعرفة المستنسخة، فالفرق بينها أن الأولى تتيح فرصة للإبداع وتملك المعرفة وزمام المبادرة بخلاف النوع الآخر الذي يكون رهين المصّدر للمعرفة ولذلك فإننا نتطلع لأن يتجاوز دور الأكاديمية السلطانية للإدارة مجرد تقديم المعرفة، بل لتصبح منصة رائدة وموثوقة لإنتاج المعرفة، تمامًا كالمؤسسات العالمية المرموقة التي تُصدّر أفكارها. إنها تمتلك فرصة ذهبية لامتلاك زمام الإبداع والتأثير من خلال تأسيس مركز للأبحاث التطبيقية والنظرية في مجالات الإدارة والقيادة. وهنا نشير الى تجربة عالمية رائدة؛ وهي:Harvard Business Review، التي يُمكن أن تكون نموذجا يحتذى للأكاديمية أن تصبح موردا محليا وإقليميًا تُنتج وتُصدّر المعرفة المتسقة مع قيمنا الثقافية ولغتنا العربية، وتساهم في إيجاد حلول للتحديات الاقتصادية والاجتماعية.
ثالثًا: ربط التدريب بمنظومة الأداء المؤسسي: يمكن للأكاديمية أن تعزز من أثرها عبر ربط المشاركة في برامجها التدريبية مع منصات الأداء المؤسسي مثل “إجادة”، بحيث تُحتسب هذه المشاركات كنقاط تعزز من تقييم الأداء وتنقل المعرفة داخل المؤسسات. هذه الآلية تضمن أن التدريب ليس مجرد نشاط عابر، بل هو استثمار مباشر في تطوير الأداء.
رابعًا: إنتاج محتوى معرفي وتوعوي شامل: بجانب دورها الأكاديمي، يمكن للأكاديمية أن تنتج محتوى تثقيفيًا ومعرفيًا في مجالات الإدارة والقيادة عبر برامج بودكاست علمية ومركزة، مما يعزز التفكير التحليلي ويثري النقاش المجتمعي. كما لا يقل البعد التوعوي أهمية عن البعد التدريبي؛ فمجتمع يتمتع بصحة بدنية ونفسية جيدة سيكون أكثر عطاءً واستقرارًا. لذلك، فإن دمج التوعية المجتمعية ضمن الأهداف الاستراتيجية للأكاديمية سيشكل إضافة فاعلة. ولعلي أجد مثالا رائعا في هذا الجانب حيث بما أننا مقبلون على مشاريع إنشائية ضخمة، وشاهدنا تعثر جملة من شركات الإنشاءات؛ إما ماليا أو من خلال جودة وإدارة المشاريع أو التأثيرات البيئية غير المرغوب فيها، فلا بُد من التوعية في مجالات لم نعتدها من قبل، فهناك برامج تدريبية وتوعية تعمل على رفع كفاءة هذا القطاع وخصوصًا في ضوء الطفرة العمرانية ودخول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في هذا القطاع بشكل أو آخر.
خامسًا: التعاون مع القطاعين العام والخاص: كما إن تكرار تنفيذ نفس البرامج في عدة جهات يؤدي عادة إلى هدر في الموارد. وهنا تبرز أهمية المنصات الموحدة التي تقدم محتوى نوعيًا وموثوقًا، مما يقلل من التكاليف ويزيد من كفاءة التدريب. والدعوة هنا لا تقتصر على القطاع العام؛ بل إن القطاع الخاص مدعو للاستفادة من هذه البرامج، أو المساهمة في الدراسات والأبحاث، مما يثري الخبرات ويعزز الشراكة المعرفية. كما إن تجربة واقعية شهدتها بنفسي في إحدى شركات النفط، حيث كان المدير التنفيذي يستخدم البث المباشر مع الموظفين لتحسين الأداء والوصول إلى أهداف الشركة، تؤكد أهمية المنهجية المبتكرة في الإدارة.
وعلى سبيل المثال أننا نلاحظ من خلال الاستقراء والتجربة بأن كثيرا من مؤسسات القطاع الخاص عدا قطاعي النفط والغاز والقطاع المصرفي فإن بقية القطاعات تحتاج الى عمل جاد في مجال استخدام تقنية المعلومات مثل قطاع التجاري وقطاع السياحي وأهمية الأمن السيبراني مثلا ولعل ذلك يحتاج الى خلق إدراك لأهمية الاستثمار الجاد في هذه الجوانب.
ختامًا.. إن هذه المبادرات لا تمثل مجرد توسيع لأدوار الأكاديمية، بل هي تحول استراتيجي يهدف إلى بناء ثقافة معرفية واسعة، وترسيخ الثقة في أهمية المعرفة كقوة دافعة لتحريك عجلة الاقتصاد المبني على المعرفة والابتكار. وإنني على يقين بأن مثل هذه المقترحات لا تغيب عن فكر ورؤية الإدارة الفذة والقيادة المتميزة لإدارة الأكاديمية.