الأيدي الخفية المتحكمة باقتصاد العالم

حمد الناصري
مسرحية التخويف والجوع والقتل، مسرحية شاذة، وقواعدها ناشزة وفي عالم خالٍ من القيم والإنسانية وخالٍ من الصدق، تطفو على السطح طبقات من فئات فاسدة ومفسدة تتحكم باقتصاد الأرض وتلوح بلقمة العيش في وجه مليارات من الشعوب الجائعة، ودول تفتقد إلى الأمن الغذائي، طبقة من علقات طفيلية لا تمانع في إهلاك الحرث والنسل لتحقيق أهدافها الشيطانية.. فأصبحنا نفتقد الصفاء والسكينة والاطمئنان الجسدي والروحي في كل بقعة من العالم، تمنح الناس فسحة الأمل والحياة المستقرة.
ومن رحم تلك الطبقة الطفيلية ظهرت عائلة روتشيلد؛ وهو لقب يعني “الدرع الأحمر” بالألمانية، وهي حاليًا أقوى عائلة تتحكم باقتصاد الأرض وأعتاها، وهي عائلة ثرية من أصول يهودية من فرانكفورت بألمانيا، كانت بداية نفوذها وصعودها على يد ماير أمشيل روتشيلد “1744ـ 1812” كان يعمل مستشارا ماليًا في مدينة فرانكفورت، وقد أسس عمله المصرفي في القرن الثامن عشر.. وتمكن “روتشيلد” من تأسيس مصرف دولي “عائلي” وتوريثه لأبنائه الخمسة، ومنهم جاءت النجمة الخماسية!
وازدادت نشاطات تلك العائلة المصرفية وتوسع نفوذها ليمتد إلى لندن وباريس وفرانكفورت وفيينا ونابولي. وأصبح ينظر إلى هذه العائلة بوصفها إحدى العائلات النبيلة في رومانيا وبريطانيا.
وتحدث مهنا بن حمد المهنا الباحث الكويتي في التاريخ والأدب حول كتاب “السمفونية الحمراء” بتفصيل دقيق للكاتب د. جوزيف لاندوفسكي والذي فضح سياسة تلك العائلة وتدخلها في كل الثورات والحروب بنفوذها المالي، وذكر أن ذلك الكتاب من أخطر ما نشر، إذ هو الكتاب الذي أرعب “ستالين” بسبب الحقائق الصادمة المذكورة فيه.
ورغم أن الكتاب نشر عام 1951 على شكل مذكرات للدكتور لاندوفسكي عن مجرى التحقيقات وأساليبها مع تروتسكي الذي تحكَّم بدولة روسيا خلال الحقبة الانتقالية البلشفية، وقام الزعيم جوزيف ستالين بإعدامه، وتلك الاعترافات ارتبطت كليًا بالدور المدمر لعائلة البنك الخفي أو البنك الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية؛ بوصفه مؤسسة أممية ظاهرًا وذات أجندة خطيرة باطنًا، وتم دعمه من قبل الأثرياء والدول الكبيرة الأغنى في العالم، وتعاظمت قوته كالسرطان في جسد العالم بدعم من قوى خفية. ويقع مقر ذلك البنك في مدينة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية.
ويسيطر على البنك ويقوم بتمويله 12 عائلة من العائلات الأوروبية والأمريكية ترأسهم عائلة روتشيلد آنفة الذكر، تمكن البنك من إغراء العديد من الدول المحتاجة من خلال تقديم قروض لمساعدتها في تجاوز أزماتها، لكنه فرض عليها شروطًا قاسية تؤثر على سيادتها وتهدد اقتصاداتها على المدى البعيد، مما يقيدها لفترات زمنية غير محددة.
وفي كتاب نادر صدر باللغة الفرنسية عام 1989م وتمت ترجمته إلى اللغة العربية عام 1992م، يحمل عنوان “التاريخ السري للبنك الدولي” من تأليف الدكتور زكي العايدي الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس والمستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، حاول الكاتب تقديم العديد من الحقائق المجهولة حول تاريخ البنك الدولي، الذي تحول من مؤسسة صغيرة إلى قوة مالية عالمية مؤثرة، تلك القوة التي تطورت بشكل مذهل قد مكنت البنك من التحكم في خيارات شعوب الدول النامية فيما يتعلق بتنميتها الاقتصادية، مما يحجب أمامها فرص مستقبلية ويشكل عقبة أمام تقدمها الاقتصادي والاجتماعي؛ بل إن هذه القوة، كما يصفها مؤلف الكتاب جعلت البنك “يضغط على سيادة الدول” ويفرض “رقابة على المصروفات العامة” ويفرض الوصاية عليها، على حد تعْبيره!
ويؤكد العايدي على أن تغول البنك الدولي بهذه الصورة جاء عبر تاريخ سيئ السمعة، إذ كان يعمل على تدمير الدول القوية خلال فترة الخمسينيات والستينيات، والقضاء على أية خطط طموحة للنهوض بالاقتصادات الوطنية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، ومثال على ذلك ما حدث مع مصر على سبيل المثال، ويشير الكاتب كذلك إلى الدور المهم الذي قام به البنك في دعم الشركات العابرة للقارات والقوميات، التي ساعدت البنك في التخلص من القطاع العام في بلدان العالم الثالث.
وكتب عبدالله بن بخيت في صحيفة الرياض مقالًا بعنوان: “سيطرة عائلة روتشيلد اليهودية على البنك الدولي” بتاريخ 13 فبراير 2018، قال في مطلعه “لم أسمع أن شعبًا من الشعوب أخذ نصائح البنك الدولي بالقبول والترحاب. في كل خبر يأتي فيه ذكر هذا البنك أشعر أن نصائحه ضد مصالح الشعوب وخصوصًا الفقيرة منها. ولا أعرف بالضبط ما الذي يجري…. وتقلقني سمعة ذلك الصندوق!! فلم أسمع في يوم من الأيام من امتدحه أو شكره على نصائحه. فالاقتصاديون (الذين قرأت لهم) يهاجمونه وأنصاف الاقتصاديين يهاجمونه، ومن جهة أخرى يستغل سمعته أولئك المعارضون لسياسات بلادهم للنيل من حكوماتهم. حتى الحكومات التي تستفيد من قروضه لا تمجده أو تدافع عن سياساته المتبعة. وتساءل الصحفي السعودي عبدالله بن بخيت.. هل ذلك الصندوق شر لا بد منه؟ لا يلجأ إليه إلا المضطر. كالمرابي في العصور القديمة. لا ينقذك وإنما يمنحك قرضًا يساعدك على تأجيل مشكلتك وترحيلها لكي تتفاقم، فتغدو الحكومة وشعبها أسيرة له ولسياسته المستفزة.. ووظيفته هي إنقاذ الحكومات المتعثرة من خلال زيادة حالة العداء بينها وبين شعوبها!
وذهب الكاتب إلى قوله، إنه “يمكن التشكيك في تورط الصهيونية في المؤامرات السياسة والاجتماعية، ولكن من يقدر أن يبرئ الصهيونية من مؤامرة قوامها المال؟ وكيف يكون اللعب على المكشوف؟ لا يعمل البنك في الخفاء أو بالتواطؤ مع الخفافيش. المؤامرة تحتاج إلى قرارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب” انتهى كلام الكاتب.
ويتبادر إلى ذهني سؤال محير، ترى منْ أعْطى رؤوس ذلك البنك الإذن للتطاول على سياسات دولنا الاقتصادية والمالية والاجتماعية؟ وهناك دول مثل تركيا والبرازيل وأثيوبيا وغيرها انتفضت في وجه البنك الدولي وبذلت جهودًا كبرى للتخلص من ربْقة قروضه الضارة وانْطلقت بعد ذلك لتطور اقتصاداتها بحرية وبلا شروط ملزمة التنفيذ، وتحولت من دول مدينة إلى دول دائنة وازدهرت اقتصاديًا وماليًا، وقضت على نسب كبيرة من الفقر والبطالة والأمية.
إنَّ المؤامرة تتشابك خيوطها في الدوافع والأهداف. ويحاكي مفهومها وضعيات متضمنة على تآمر جهات معينة لتحقيق غاياتها ومقاصدها، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، أو نشأت من انعدام الثقة، أو تغذت على معلومات مضللة، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتحفيز الانقسامات.
خلاصة القول.. أرى أن تلك المؤسسة وتأثيراتها السلبية خطيرة على الشعوب، وضررها كبير على اقتصادات الدول، ونتمنى أنْ يعي كل المسؤولين في القطاعات المالية والاقتصادية بالذات في دولنا العربية والخليجية مغبة الوقوع في حبائل تلك المؤسسة، وأن لا تغريهم القروض أو التسهيلات التي قد يقدمها ذلك البنك، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على اقتصاداتنا ويحصل ما لا يحْمد عقباه.. وخير دليل على ذلك ما ورد في كتاب “السيمفونية الحمراء” من تفاصيل وحقائق والذي أعتبره شخصيًا غيضاً من فيض مما جرى ويجري من دسائس ومؤامرات تحاك على اقتصاداتنا وثرواتنا أمام أعيننا منذ أكثر من قرن من الزمان ولا تزال.