الاستدامة أم سباق ناطحات السحاب؟

سهام بنت أحمد الحارثية
في السنوات الأخيرة، أصبحت ناطحات السحاب رمزًا للتطور في العديد من دول الخليج، حيث تتسابق المدن لامتلاك أطول الأبراج وأكثرها فخامة، لكن هل يعني ذلك أن على عُمان أن تحذو حذوها؟
شخصيًا، لا أرى أن هذا هو الطريق الصحيح لعُمان، فلكل دولة هويتها الخاصة، وطبيعتها المختلفة، واستراتيجيتها التنموية التي تناسبها.
وعُمان لديها طابع عمراني مختلف تمامًا، مستمد من تاريخها وطبيعتها الجغرافية. مدنها ليست صحاري مفتوحة يمكن أن تمتلئ بناطحات السحاب دون تفكير؛ بل هي أماكن ذات طابع مميز، تتماشى مع طبيعتها الجبلية والساحلية، الحفاظ على هذا الطابع لا يعني الجمود، بل يعني التنمية الذكية التي تحترم البيئة والثقافة المحلية، ولا تحاول نسخ تجارب الآخرين دون دراسة.
قرار عُمان بعدم الدخول في سباق ناطحات السحاب ليس مجرد اختيار؛ بل رؤية تنموية حظيت باحترام دولي؛ فالأمم المتحدة وعبر برنامج المستوطنات البشرية (UNHabitat) أشادت بالنهج العُماني المُتوازِن، مشيرةً إلى أنه يُحافظ على الهوية البيئية والثقافية بدلًا من تحويل المدن إلى غابات خرسانية، والبنك الدولي بدوره أثنى على التخطيط العمراني في عُمان، الذي يركز على بناء مدن متكاملة بدلًا من التوسع العشوائي في الأبراج الشاهقة، حتى أن بعض دول الجوار التي سبقت عُمان في بناء ناطحات السحاب بدأت تعيد النظر في استراتيجياتها.
قطر، على سبيل المثال، واجهت تحديات كبيرة مع انخفاض معدلات الإشغال في بعض أبراجها بعد كأس العالم 2022، ودبي أيضًا عانت من أزمة عقارية عام 2008 بسبب تخمة السوق بالأبراج؛ ما أدى إلى انخفاض حاد في الأسعار وتباطؤ الاستثمارات. وفي السعودية، ورغم مشاريعها العمرانية الضخمة، بدأت تتحول إلى نهج أكثر استدامة، كما يظهر في مشروع “نيوم” الذي يركز على التكنولوجيا والطاقة المتجددة، بدلًا من مجرد السباق نحو الأعلى.
بناء ناطحات السحاب ليس مجرد استعراض معماري، بل استثمار طويل الأمد يتطلب تكاليف هائلة في البناء والصيانة والطاقة. وفي بلد مثل عُمان؛ حيث تسعى الحكومة إلى تنويع الاقتصاد والاستثمار في قطاعات مثل السياحة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، فإن إنفاق الموارد على مشاريع كهذه قد لا يكون الخيار الأكثر ذكاءً. وبدلًا من ذلك، يمكن لعُمان أن تستثمر في مدن ذكية ومستدامة تستفيد من التكنولوجيا لتقليل استهلاك الطاقة، وتعزز من جودة الحياة دون المخاطرة بأزمات عقارية أو تكاليف صيانة باهظة.
عُمان لا تحتاج إلى ناطحات سحاب كي تُثبت تطورها، فهي تمتلك نموذجًا تنمويًا قائمًا على الاستدامة والتميز الثقافي، وبدلًا من تقليد الجيران، يمكنها أن ترسم طريقها الخاص نحو الحداثة، بطريقة تحترم بيئتها، وتحافظ على هويتها، وتحقق لها ازدهارًا اقتصاديًا حقيقيًا ومستدامًا، والأهم من ذلك، أن هذا النهج يحظى باحترام عالمي، لأنه يمثل نموذجًا متوازنًا وذكيًا في التخطيط العمراني، وهو ما يجعل عُمان فريدة ومتميزة في مسيرتها التنموية.