د. محمد بن إبراهيم الزدجالي **

 

في صباحٍ ثقيل على قلوب العُمانيين، استيقظت ولاية السويق على فاجعة مؤلمة؛ إذ فارقت طفلة ذات 6 أعوام الحياة داخل حافلة مدرستها، بعد أن نُسيت فيها لساعات طويلة، في مأساةٍ أعادت إلى الأذهان حوادث مشابهة في الأعوام الماضية؛ لتطرح السؤال ذاته مجددًا: إلى متى يا وزارة التربية والتعليم؟ أليست أرواح أبنائنا أغلى ما نملك؟!

في سبتمبر 2018، فقدنا طفلًا من مدرسة الحضارة في روي بمحافظة مسقط، بعد أن تُرك داخل الحافلة حتى فارق الحياة، وقتها خرجت الوزارة بتصريحات مطمئنة، وتحدثت معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم عن تدشين مشروع “درب السلامة” لتتبُّع الحافلات إلكترونيًا وضمان عدم تكرار المأساة، لكن بعد 3 سنوات فقط، وفي عام 2021، تكرر المشهد ذاته؛ حيث استُوقِف سائق ومشرفة لإهمالهما في تفقُّد الحافلة، ما تسبب في دخول أحد الطلبة إلى المستشفى في حالة حرجة.

ليس هذا فحسب، ففي أبريل 2024، شهدت محافظة شمال الشرقية حادثًا مأساويًا آخر؛ إذ انجرفت سيارة نتيجة سيول مفاجئة، ما أدى إلى وفاة 9 طلاب؛ لتزداد الأسئلة حول عدم اتخاذ الوزيرة قرارًا آنذاك بتعليق الدراسة نتيجة سوء الأحوال الجوية!

واليوم، في أكتوبر 2025، يتجدد الألم، وتعود العناوين ذاتها.

وفي كل مرة، يُلقى اللوم على السائق أو المشرفة إذا وُجِدت، لكن المسؤولية لا تتوقف عندهما.

هذه المآسي قد تتكرر في دولة ما، لكن في بعض الدول تليها إصلاحات صارمة أو استقالات لأعلى مسؤول عن التعليم.

ففي الأردن، قدم وزيرا التربية والسياحة استقالتهما بعد فاجعة البحر الميت عام 2018 التي راح ضحيتها عدد من الطلبة، وذلك تقديرًا للمسؤولية الأدبية، أما في سلطنة عُمان، ورغم تكرار الحوادث منذ أكثر من عشر سنوات حتى الآن، لم نرَ استقالة أو محاسبة علنية إزاء هذه المآسي.

فلماذا عندنا تظل الحوادث تتكرر، والتصريحات تتشابه، والنتائج لا تتغير، فلماذا لا تُتخذ قرارات قوية لحسم هذه المسائل؟

وفي مثل هذه التدابير، لا شك أن رعاية وزيرة التربية والتعليم مشروع “درب السلامة” كان خطوة طيبة، لكنه لا يغني عن الرقابة البشرية والمساءلة الصارمة؛ فالتقنية لا تُنقِذ الأرواح إذا استمر التهاون، والأنظمة لا تحمي الأطفال إن غابت المتابعة اليومية. والمطلوب اليوم ليس بيانًا صحفيًا لامتصاص غضب المجتمع؛ بل إصلاحًا إداريًا جذريًا يبدأ من تدريب السائقين وتعيين مشرفين لكل حافلة، وتعليم الطلاب الصغار كيف يتصرفون في حال نسيانهم نائمين بالحافلة.

إننا نُدرك جميعًا أن النقل المدرسي مهمة ليست بالهينة؛ نظرًا للأعداد المتزايدة سنة بعد سنة، فحسب الإحصائيات يبلغ عدد الحافلات أكثر من 20 ألف حافلة مدرسية تخدم أكثر من 700 ألف طالب بأكثر من 1200 مدرسة حكومية بجميع المحافظات، وتُنفِق الدولة ملايين الريالات سنويًا على خدمة النقل المدرسي، وإزاء ذلك على الوزارة أن تولي عنايتها التامة لموضوع النقل المدرسي، بدءا من صلاحية الحافلات وتدريب السائقين وتوعية الطلبة.

وقد أعلنت وزارة التربية والتعليم في وقت سابق أنها تعمل حاليًا على مشروع تجويد خدمة النقل المدرسي مع الشركات المتخصصة في هذا المجال بشكل تدريجي في بعض المحافظات، ونأمل أن يتم التوسع في المشروع لجميع المحافظات ليتم تحسين خدمة النقل المدرسي وزيادة نسبة الأمان في الحافلات المدرسية من خلال الأنظمة الذكية.

وفي مثل هذه الظروف هل يبدأ الحل بإعلان استقالة المسؤول عن هذه المنظومة بأكملها، واتخاذ إجراءات تصحيحية لتعيين مشرفين على الحافلات بالتوازي مع التوسع في التقنيات الحديثة؟

إنَّ أرواح أبنائنا ليست أرقامًا في تقارير؛ بل أمانة في أعناق كل مسؤول، مهما كان موقعه!

 

** الرئيس السابق لجمعية المحامين العُمانية

شاركها.