حمود بن سيف السلماني محامي ومستشار قانوني
ظهرت مشكلة كبيرة في المجتمع الإنساني، ومنذ زمن سيدنا لوط عليه السلام، بأن انحرفت البشرية عن الطريق المستقيم، وذلك بأن حصلت أول جريمة شنيعة في البشرية، وهي ارتكاب جريمة اللواط على عدو البشرية الشيطان الرجيم، والذي تمثَّل لهم على شكل شاب وسيم، وفعلوا به ما فعلوا، وكانت غاية الشيطان الرجيم هي إبعاد البشرية عن عبادة الله واتباع الضلال، وظلت هذه المشكلة والظاهرة الشاذة إلى يومنا هذا.
وحيث إن هذه الظاهرة زادت في وقتنا الحالي، ووصل الأمر إلى التحرش بالأطفال، وذلك بمحاولة من الجاني الاعتداء على مكان العفة بالطفل وإخراجه من الطريق المستقيم إلى طريق الشيطان، وجاهدت كافة الدول الإسلامية وغيرها في القضاء على هذه العادة الشاذة ومحاولة إيقاع أقصى العقوبة على الجاني، حيث إن الجاني في أغلب الأوقات يكون أكبر سنًا من الطفل بسنوات كبيرة قد تتجاوز الـ(20) سنة في بعض الأحيان، وهذا الأمر يجعل الطفل ضحية للاعتداء، وذلك بسبب فارق العمر وسهولة الإيقاع به في هذه الجريمة، وذلك بأن يقوم الجاني باستمالة الضحية إليه بكافة الطرق بعد أن يطمئنه بأنه في أمان معه، ومن الحيل التي يقوم بها الجاني كذلك في أغلب الأوقات أن يتقرب من الطفل ويسأله عن هوايته، وعن الأمور التي يحبها، ويعطيه بعض الهدايا، ويبدأ معه في التقرب منه حتى يطمئن الطفل إليه، ويأخذه الجاني إلى مكان مجهول أو أي مكان، ويقوم بفعلته الشنيعة، بل تعدى بعضهم الأمر إلى الاعتداء على إحرامات المسجد بأن يقوم بفعلته في دورات المياه الخاصة بالمساجد.
بعد حصول الفعل على الطفل، فيكون في أكثر الأوقات ممتنعًا عن الحديث عن الواقعة التي حصلت له، بل إن سلوكه يتغير كثيرًا، وتبدأ عليه علامات التوتر والفزع والخوف، بل يصل الأمر إلى الصراخ وقت النوم كثيرًا، ويمتنع الطفل عن الحديث عن الواقعة لأي سبب من الأسباب، إما بسبب التهديد الحاصل من الجاني عليه، أو بسبب الخوف من إبلاغ والديه بذلك، ويظل الطفل في صمت شديد ويمتنع عن الأكل والشرب، حتى يصل الأمر للوالدين بالخوف على حالة ولدهما، ويتم أخذه إلى المستشفى لمعرفة المشكلة التي فيه، ولكن المشكلة ليست باختصاص الأطباء العاديين، بقدر ما هي مشكلة نفسية أصابت الطفل من الفعل الذي وقع عليه، وإنه يحاول تجاوزها، ولكن بدون جدوى، إلا من رحمه ربي.
ذات مرة، كنت حاضرًا في إحدى محاكم السلطنة لمتابعة قضية ما، وحيث إني سمعت حكمًا على متهم بقضية التحرش على أطفال، ووصلت العقوبة إلى أكثر من (15) سنة، والغرامة إلى 10000 ر.ع ريال عماني، لولا إدغام العقوبات في الأشد، بل إنه في ذات اليوم، توجد قضية على متهم آخر بهتك عرض مجموعة من الأطفال والتحرش بهم، وقد يصل الأمر إلى تعليمهم بعض السلوكيات السيئة، فهذا مؤشر خطير جدًا على ما يحصل، فكيف يضحي الإنسان بمتعة خمس دقائق بالحرمان من الحرية لمدة تصل لأكثر من (5) خمس سنوات، والغرامة لخمسة آلاف ريال عماني؟ فكل ذلك من أجل ماذا؟ لا شيء، فقط هي غفلة من الجاني، والتي تهدد مستقبله ومستقبل الضحية الصحي والنفسي والمعنوي، وعائلة الجاني والضحية بحدٍ سواء، حيث إن عائلة الجاني ستخسر الأموال من أجل توكيل المحامي، وفقدانه من الأسرة بدخوله السجن في حالة الحكم عليه، وقد يكون متزوجًا، وسوف تتشتت الأسرة ويضيع الأطفال.
فكم من القضايا التي نراها بحضور الأطفال إلى المحاكم مثقلين بما حلّ بهم، وبأهلهم من الضرر العميق والجسيم، ففي أغلب الأحيان، فإن الضرر الذي يلامس الطفل يستمر معه لفترات طويلة، وقد يضطر أهله إلى الذهاب به إلى الطبيب النفسي لعلاجه، أو حتى السفر به خارجًا من أجل أن يتجاوز المحنة التي مر بها، فكل ذلك أضرار معنوية لا تُقدَّر بثمن، حتى إن التعويض الذي يُحكم به، وإن كان متناسبًا مع الضرر الحاصل، إلا أنه لا يطفئ مرارة القلب والغصة وضيق الصدر الذي يمر به الطفل وأهله. والطفل بعد الواقعة تتغير حالته كليًا، فمنهم من يكون عدوانيًا كثيرًا على أقرانه من الأطفال، أو حتى على أفراد أسرته، ويفضل الوحدة عن التواجد مع الآخرين، ويشعر بالاشمئزاز من نفسه، وينظر إليها بكراهية وحقارة، فكل ذلك بسبب الفعل الشنيع الذي قام به الجاني.
وحيث إننا لا نقلل من خطورة الوضع الحاصل، ولكن الأشد على القلب والنفس أن يقع التحرش بالطفل من أقاربه أو من محارمه، فذلك الأمر ليس بالهين أو السهل على الطفل وأهله، حيث يقوم الجاني بالتعدي على طفل من محارمه، ومحاولة الإيقاع به، بل يصل الأمر إلى الاستمرار في ذلك في بعض الأحيان، وذلك بسبب خوف الطفل من التهديد الذي يطاله، وبسبب تواجد الجاني بشكل دائم في المحيط الذي يعيش فيه، فكل ذلك يبعد الطفل عن الحديث عن الواقعة التي تحصل له، وكأن الجاني نسي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته…).
وحيث إنه يتوجب الوقاية من هذه الجرائم في المجتمع، وذلك بتنبيه الأطفال بأهمية عدم الذهاب مع الغرباء أو الأشخاص الأكبر سنًا منهم، بالإضافة إلى تعليمهم بأماكن العفة، وأهمية عدم جعل أي شخص يلمس تلك المناطق الحساسة، وفي حالة قيام أحدهم بذلك، يتوجب على الطفل إبلاغ أحد الوالدين بذلك، أو إبلاغ شخص بالغ بالقرب منه حتى يتم الإمساك بالجاني واتخاذ الإجراءات القانونية ضده. ومن الوقاية أيضًا تكثيف التوعية في مثل هذه الحالات، سواء في المدارس أو المساجد أو حتى في المحافل الصيفية والبرامج التلفزيونية والإذاعية، فالتوعية مهمة جدًا للحفاظ على استقرار المجتمع من مثل هذه الأفعال الشنيعة والخارجة عن القيم الإسلامية.
وإن كانت الجهود المبذولة في محاربة مثل هذه التصرفات كبيرة، إلا أنها لم تُلبِّ الغاية الأساسية في ذلك، وهذا ما ذكّرنا به القائد المفدى في أحد أقواله بعد توليه الحكم، حيث جعل الاهتمام بالأسرة من الضروريات المهمة للدولة، حيث إن استقرار الأسرة يكون استقرار المجتمع، وباستقرار المجتمع يعيش الجميع في أمان وطمأنينة دائمة، حيث إن أفراد المجتمع في هذه الحالة سيقومون بنصح الأطفال والكبار، وحثهم على ضرورة التمسك بالقيم الإسلامية، والعادات الحميدة البعيدة كل البعد عن الانحراف.
في المقابل، عندما يتم الإعلان عن شدة العقوبة التي ستنال الجاني، ليس فقط بالحبس وحجز الحرية لمدة سنوات طويلة من عمره، والغرامة المالية، حيث إن سداد الغرامة المالية قد يواجه صعوبة كبيرة للمتهم في سدادها، فإذا رافق ذلك الحبس العمل في خدمة المجتمع، بأن يتم إلزام المتهم بالقيام ببعض المهام في المجتمع، والتي ستجعله يفكر كثيرًا قبل القيام بأي جريمة شنيعة، فإنه من المؤكد بأن الجرائم ستنخفض بشكل كبير جدًا، حيث إن الإنسان أكثر ما يخشاه هو الفضيحة من الأفعال الشنيعة التي يقوم بها حتى لا يعرفها الآخرون، وبالإمكان استبدال الغرامة المالية بالخدمة في المجتمع، وإلزامية الحضور إلى الدورات التدريبية والندوات الثقافية، حتى تكون شرطًا من شروط الإعفاء من العقوبة، والخروج بالعفو العام أو الخاص.