أميمة بوخليفي **

 

كم مرة وجدت نفسك تفكر طويلًا في موقف قديم وتتمنى لو أنك تصرفت بشكل مُختلف؟ وكم مرة قارنت نفسك بالآخرين حتى شعرت أن ما لديك لا يكفي؟ هذه المشاعر مألوفة لكل إنسان، لكنها تتحول إلى عبء حين تسيطر على حياتك وتمنعك من الاستمتاع بما لديك.

وهنا يأتي دور التصالح مع الذات، ذلك الفن العميق الذي يمنحك الحرية من قيود الماضي ومن ثقل التوقعات، التصالح مع الذات ليس مجرد فكرة جميلة نقرأها، بل هو ممارسة يومية تفتح لك الطريق نحو راحة البال والرضا الداخلي.

حين تتصالح مع نفسك فأنت تعترف بإنسانيتك وتدرك أنك لست مضطرًا لأن تكون مثاليًا طوال الوقت وأن الأخطاء ليست وصمة عار، بل علامات على أنك تعيش وتتعلم وتنمو.

إن التصالح مع الذات لا يعني أن تبرر ما لا ينبغي تبريره؛ بل أن تغفر لنفسك، أن تمنحها فرصة جديدة لتجرِّب مرة أخرى دون أن تُثقلها بسلاسل الندم المستمر، كل لحظة تعيشها هي فرصة لإعادة الاختيار، والرضا يبدأ عندما تفهم أن الماضي انتهى وأن الحاضر هو ما يملك قيمة حقيقية.

الكثير من القلق الذي يحد من استقرارك الذهني والعاطفي ينبع من محاولتك الدائمة لتلبية توقعات الآخرين. قد تشعر أنك لا تحقق ما يكفي أو أنك دائمًا في سباق لا ينتهي، لكن التصالح مع الذات يبدأ من لحظة إدراك أن قيمتك لا تُقاس برضا الآخرين عنك؛ بل بشعورك أنت تجاه نفسك، وحين تُعيد تعريف النجاح وفق مقاييسك الشخصية وتسمح لنفسك أن تضع حدودًا لما لا يناسبك، ستكتشف أن كثيرًا من التوتر والقلق يتلاشى تدريجيًا.

ولا تنسَ أن علاقتك بنفسك هي مرآة لعلاقاتك بالآخرين، فعندما تعيش في صراع داخلي تجد نفسك سريع الغضب أو مفرط الحساسية تجاه كلمات أو مواقف بسيطة، لكن حين تمنح نفسك مساحة من القبول يصبح قلبك أكثر رحابة، وتصبح قادرًا على منح الآخرين ما تحتاجه أنت أيضًا: التفهم، الرحمة، والصدق.

وهكذا لا يعود التصالح مع الذات مجرد شأن شخصي؛ بل يصبح أساسًا لعلاقات أكثر توازنًا وعمقًا.

التصالح مع الذات يمكن أن يبدأ بخطوات صغيرة وبسيطة لكنها فعالة. خذ وقتًا يوميًا للإنصات إلى أفكارك دون أن تحكم عليها، دوّن مشاعرك في دفتر، فهذا يساعدك على فهمها بدلًا من تركها تتراكم داخلك. اسمح لنفسك بالراحة، بالنوم الكافي، بالاسترخاء، أو حتى بالضحك دون أن تشعر بالذنب، احتفل بإنجازاتك مهما كانت صغيرة، فكل خطوة إلى الأمام تستحق التقدير، وحين تخطئ ذكّر نفسك بأنَّ الخطأ لا يُلغي قيمتك؛ بل يذكّرك أنك ما زلت تسير في الطريق.

مع مرور الوقت ستجد أن تصالحك مع نفسك يمنحك قوة لم تكن تدركها، ستصبح أكثر شجاعة في مواجهة المواقف الصعبة وأكثر هدوءًا أمام التحديات، لأنك لم تعد في حرب داخلية مع ذاتك، سيتحول صوتك الداخلي من ناقد قاسٍ إلى صديق مخلص يساندك، ومع هذا التغيير ستفتح أبوابًا جديدة للتطور الشخصي والمهني والعاطفي.

في النهاية التصالح مع الذات ليس هدفًا تصل إليه ثم تنتهي الرحلة، بل هو ممارسة متجددة تحتاج إلى وعي وصبر، ستجد نفسك أحيانًا تعود إلى القلق أو المقارنة أو القسوة على نفسك وهذا طبيعي، المهم أن تعود مرة أخرى إلى تلك المساحة الآمنة في داخلك، حيث تقول لنفسك: “أنا أستحق السلام، أنا كافٍ كما أنا.” فامنح نفسك هذا العناق الداخلي واسمح لها أن تعيش برضا وطمأنينة، لأنك ببساطة تستحق ذلك.

** باحثة تنموية المغرب

شاركها.