مُزنة المسافر

جوليتا: هل رأيتِ الفئران يا عمتي؟

ماتيلدا: إنها هنا منذ زمن بعيد.

جوليتا: جرذان، فئران ماذا يخبأ هذا المسرح أيضاً؟

ماتيلدا: كل شيء يا ابنة أخي، دعيها وشأنها ترقص في الأنابيب الموحشة، لابد أن يكون الجمهور متحمساً ليسمعني الليلة.

 

جوليتا: استعدت عمتي برسمها خطاً عريضاً فوق حاجبيها، ولبست فستاناً قرمزياً، ووضعت أحمر شفاه يناسب المناسبة، ونطقت بكلماتٍ ترحيبية للجمهور الذي صفق بشدة لها.

 

ماتيلدا للجمهور: الغناء جميل لكنه يكون أجمل مع من نحبهم، حين نشاركهم مشاعرنا الدافئة، يا إلهي كم اشتاق إليكم بشدة، وكم أتمنى رؤيتكم دائماً، وأهدي غنائي اليوم للمكافحين في هذه الأرض، والعابرين لكل صخور الشقاء، والمعتلين للقمم طبعاً.

 

جوليتا: صفق الجمهور بشدة أكثر، يا لها من كلمات مؤثرة، ومنددة بأي فكرة سلبية هكذا فكرت عمتي، أن تقول الكلام اللطيف الذي يطيب خاطر الجمهور، ويخبره أن الحياة حلوة كما كانت في ماضٍ غارق، أو في حاضرٍ يحدق بنا ويتحدث عن وجودنا في هذه اللحظة.

غنت عمتي، وأعترف أن غنائها هذه المرة كان جميلاً، مؤثراً، مُسعداً للنفس، وكم تمنيت أن يعود الأمس الذي رقص فيه الجمهور بعشوائية، وتجمهر حولنا وسألها الأوتوغراف، الإمضاء الذي اعتادت أن تعطيه للجميع وأنه توقيعٌ بوجودها الحي في الحياة الموسيقية، وأن كلمات الأغنيات كم هي مفعمة بالأمنيات السرمدية.

 

سألتها بفضول شديد: عمتي، من تقصدين بالمكافحين في الأرض؟ هل هنالك من مكافح في هذا المسرح، اعتقدت أن من كانوا هنا أناسٌ مجانين.

ماتيلدا: تقصدين بالتحديد دوناتيلا المرأة المجنونة التي عاشت في غرفة تبديل ملابس مهملة،

وكانت حياتها بائسة وقاسية، كان عملها أن تنظف المسرح فقط.

 

وكانت أحياناً تلبس ملابس الممثلين، وتصبح شخصية أخرى عن نفسها، كانت تعتقد أنها موهوبة، وأنها ليست مسلوبة الإرادة، إنها قادرة ببساطة أن تقدم الفن، كان الممثلون يطردونها من فصول التدريب، وينهرونها أن تنظف المسرح دون أن تتدخل في تفاصيل مسرحية ما.

وكنتُ أسمعها تبكي، وكانت تقترب منها الفئران معتقدة أنها جبنة حقيقية، هكذا كانت تخبرنا، أنها كانت تقدم الجبن للفئران الصادقة.

 

كانت دوناتيلا تكافح من أجل قوت يومها، وتقاتل ألا تبقى في وحدة قاتلة، وأن رؤية الفئران الراقصة أمامها في جعبتها كافية أن تنام دوناتيلا في هناء كل ليلة، وحين يأتي موسم الأعياد تتجمد هي من البرد، وتخشى أن يكتشف أحد أنها دون أحد، اقتربت من وجهي ذات مرة وقالت لي بجنونها المعتاد: هيه أنتِ يا مغرورة ستصبحين مشهورة لأنكِ منحتيني معطفك الذي تحبينه.

ماتيلدا: أهديتها معطفي، وكم انكسر قلبي حين رأيتها تبكي مرة أخرى أنها وحيدة وبعيدة عن أبنائها، منحتها قطعاً نقدية لتهاتف أحدهم، ورأيتها أمام كبينة الهاتف للاتصال العمومي، تصرخ لابنتها أنها ليست مجنونة، وأنها ستتشاجر معها إن أخذتها لدار للمسنين.

 

جوليتا: وماذا حدث بعد ذلك؟

ماتيلدا: جاءت سيارة غريبة الصنع وحملت دوناتيلا إلى حيث لا ندري، وأبتاع خورخيه منتج الأسطوانات المسرح وطالب بطرد كل الفئران والجرذان العابثة بالمسرح، لم يكن سهلاً طردها، إنها تأبى الخروج، وكأنها تذكرنا جميعاً بدوناتيلا وتحافظ على ذكراها متوقدة في المسرح بين أنواره وظلاماته المتكررة.

 

 

 

شاركها.