مُزنة المسافر

 

جوليتا: انظري لهذا الشيء يا عمتي، لقد وجدت دمية جميلة بين حاجياتك.

ماتيلدا: أين وجدتها؟، إنها لسابينا.

جوليتا: من هي سابينا؟

ماتيلدا: صاحبة الدمية الأصلية، تعرفين يا ابنة أخي ذات يوم حملني الحنين إلى طرقات بعيدة، كان لي شوق أرجع قلبي للأرياف، قلت لنفسي ولخورخيه المنتج قبلها أنني سأكتب الإبداع، سيكون لي قلمٌ حر، وموسيقى ندية، وعيون سخية ترى وتنظر جيداً لكل شيء.

 

سأكون هنا في الأرياف لليالٍ خريفية، قبل أن يأتي موسم الشتاء القارس، وكنت أرى نفسي شاعرة بالريح القوية التي أفاقت مشاعري فجأة، وأرادت أن أمضي نحو حقول قريبة.

 

وهناك أدهشتني الفزاعات وأردتُ أن أقف كفزاعة تنظر للعالم المتكون من المداخن ومن البيوت الكوخية، وكنتُ أفكر ماذا لو سكنت روحي فزاعة؟، واقتربت مني طفلة هامسة: هل تعرفين أن الفزاعات تتحرك مساءً حين نذهب بعيداً عنها؟

وهنا تعرفت على الطفلة سابينا قالت لي: إنها مزارعة صغيرة، وأنها تدرس في المدرسة نهارًا، لكنها مساء تأتي للحقل مع جدتها، وصرنا نلتقي كثيرًا، أقدم أنا لها الحلويات وتقدم لي هي القصص الغريبة، وتخبرني أقاويل أهل الضِيَع، وتعاتبني إن لم أكن في الحقل قرب الفزاعات.

وسألتني سؤالًا سخيفًا: إن كان لي أبناء؟

ماتيلدا: ليس لدي أبناء بعد، لكن ربما لاحقًا.

سابينا: لماذا أنت هنا؟ أنت تكتبين كثيرًا.

ماتيلدا: أكتب الأغنيات.

سابينا: الأغنيات الحلوة!

 

ماتيلدا: شعرت بطفولة تخترق حياتي الممتلئة بالرصانة والنظام، كنتُ أرغب أن أكون مثل سابينا، منطلقة للحرية، يوما أكون كالفزاعة أخيف كل خنفساء تقترب مني، وجميع الغربان طبعًا، وفي أيام أخرى أكون فتاة بمخيلة جامحة وبروح صائحة نحو المرح.

 

كنا نأكل الطعام سوية وأحيانًا على طاولة المائدة في منزل عائلة سابينا، وصدف أن تواجد والدها باولو الذي كان متأخرًا في قدومه من منجم أو من حقل بعيد، لم أعرف أين يعمل، بدا على وجهه الإنهاك.

جلس وطلب أن تقدم والدة سابينا الطعام، كانت والدة سابينا أثينا قد امتعضت من دخوله الوقح، لم يسلم على أحد، ولا حتى على الضيفة التي هي أنا ماتيلدا، كانت حركات هذا الرجل غريبة، وكان وجهه مرهقًا للغاية، كان غائبًا لأيام وظهر فجأة ودخل المنزل دون أن يطرق الباب أو يسلم على أحد.

 

أثينا: إنك وقح يا رجل، لدينا ضيفة.

باولو: لقد سئمت من ثرثرتك يا امرأة سأغادر.

أثينا: ألن تأكل؟

باولو: سآكل لحم الذئب، أفضلُ ذلك، لا أريد أن أستمع إلى الهراء، إنكِ تجلبين العذاب.

أثينا: جيد، ارحل، سأفتح الباب لك الآن، ارحل يا باولو!

 

ماتيلدا: خرج باولو، وألقت أثينا بالصحون نحو الأرضية فانكسرت جميعها، وانحسر صوتها، فبكت أثينا بحرقة، لم أستطع أن أقول شيء، كان مشهدًا صعبًا، كانت سابينا تبكي، إنه شيء يتكرر كل ليلة هكذا أخبرتني، وشرحت أن والدها لا يعود إلا في ساعة العشاء، وفي أيام معينة يختفي ويظهر فجأة.

 

في اليوم التالي، ونحن في محطة القطار قدمت سابينا لي قبلة صغيرة، وكان وداعًا جميلًا لن أنساه، خصوصًا حين كنت أحمل حقيبة السفر، وأردت أن أغادر عائدةً إلى الديار، وقبل أن ألتحق بالقطار بشكل نهائي، ركضت سابينا ركضًا سريعًا وصرخت بأعلى صوتها: الدمية، الدمية!

خرجت بسرعة من القطار، عانقتها بشدة، وأخذت الدمية منها، كنتُ أفكر متى سأراها في حياتي من جديد، لذا أخذت الدمية لأتذكر سابينا دائمًا، وأتذكر الفزاعات والغربان والحقول ودمى الضِيَع والناس في الأرياف وهنا قررت أن أكتب أغنية بعنوان: سابينا، متى ستأتين إلى المدينة؟

 

كانت كلمات الأغنية كالتالي: قدومك سيكون جميلًا، سنلعب الغميضة، سنكون سوية، سنكون أصدقاء، سنكون رفقاء، نحمل الدمى والحلوى، لكن المدينة صعبة، عليكِ أن تكوني يقظة يا سابينا، أن لا تعيشي أي حَيْرة، وكوني لي خير جِيرة يا سابينا متى ستأتين إلى المدينة؟ المدينة تسأل وقلوبنا تحمل كل الحب لكِ يا سابينا، يا سابينا كوني في المدينة.

 

شاركها.