د. عبدالله الأشعل **

قدَّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من طرف واحد، بالتفاهم مع إسرائيل، ما سماه خطة السلام، وأنذر حماس بأن رفضها للخطة سيدفع إسرائيل، بمعاونة أمريكا، إلى القضاء عليها، أو بلغة نتانياهو “ينهي الأمر بطريقته”.

ويريد ترامب الفاقد أساسًا للمصداقية أن يريح إسرائيل، منذ أن رأى أن المقاومة في السابع من أكتوبر 2023 هي التي يمكن أن تزيل إسرائيل وتُغيِّر قواعد اللعبة في المنطقة، ولذلك وصف ترامب هذا اليوم بأنه أسوأ يوم في التاريخ العالمي؛ لأنه أدرك الحقيقة، وهي أن إسرائيل نمر من ورق، وأنه لولا الدعم الأمريكي الغربي الكاسح، لزالت إسرائيل منذ مدة. وترامب يعلم أن المقاومة إسلامية، ولذلك أحد الدوافع لتحيزاته لصالح إسرائيل هو القضاء على الإسلام والمسلمين، وأسره أن ينشغل المسلمون عن المقاومة الإسلامية وعن القدس. وقطعًا أدرك أن العالم كله ضد المقاومة، والمقاومة ستحرر فلسطين، وأن ترامب قام بواجبه في إبعاد الحكام العرب والمسلمين، وكذلك الشعوب، عن إنقاذ غزة. كما يعلم أخيرًا أن المقاومة واثقة من أنها تدافع عن الحق، خاصة في المعارك من المسافة صفر، التي ألقت بالرعب في قلوب الذين حاربوا في غزة من الصهاينة، وأن الرعب جند من جنود الله، وأن المقاومة تثق بالله ثقة مطلقة، وأن هذه الحرب بين الله والمفترين من كل العالم. هكذا أعلن الجنرالات الأمريكيون والإسرائيليون أن الأشباح تحارب مع المقاومة.

ويمكن تحليل هذه الخطة في الملاحظات الآتية:

الملاحظة الأولى: أن ترامب أول المنحازين لإسرائيل، وهو الصهيوني الأول في العالم، وليس له مصداقية، بدليل أنه كان يتفاوض مع إيران ويتفاهم في نفس الوقت على اعتداء إسرائيل على إيران، وكأن ترامب يستخدم إسرائيل كأداة في تنفيذ جرائمه.

الملاحظة الثانية: أن ترامب سيئ النية، ولذلك أبرز في تصريحاته أن العالم كله، بما فيهم زعماء عرب ومسلمون، يوافقون على الخطة، ولذلك إذا رفضت حماس تكون في جانب، والعالم في جانب آخر. وركز ترامب في خطته على إزالة المقاومة، وأنها المسؤولة عن إبادة غزة، لأن نتانياهو في كلمته في الأمم المتحدة قال: إذا قبلت حماس الاستسلام ونزع سلاحها ومغادرتها غزة، يوقف الحرب فورًا.

الملاحظة الثالثة: أنها خطة ليست للتشاور أو التفاوض، وإذا اقترحت المقاومة تعديلات على الخطة، كأنها رفضتها، فإما أن تقبلها كلها أو ترفضها كلها، وفي هذه الحالة أوضح نتانياهو أن إسرائيل سوف تنهي الموضوع بطريقتها، وسوف يدعم ترامب إسرائيل في هذه المهمة.

الملاحظة الرابعة: أن ترامب يدرك تمامًا أن الجيش الإسرائيلي معارض لاحتلال غزة بالكامل، وذلك بسبب بسالة المقاومة، وأن المقاومة أحرجت الجيش الذي لا يُهزم، ويدرك ترامب أن إسرائيل هُزمت في الساحة العسكرية، وتريد أن تعوض بالمؤامرة ما فشلت فيه عسكريًا.

الملاحظة الخامسة: أن ترامب أورد في خطته مجموعة من الأمور المسيلة للُعاب، تمهيدًا للوم حماس، وهو يعلم جيدًا أن هذه الأمور تتناقض مع عقيدة إسرائيل، فمثلًا وقف الحرب على غزة يتمناه جميع الفلسطينيين والعرب والمسلمون، ولكن هذا يتناقض مع خطة نتانياهو في إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره وإفراغ فلسطين منه.

الملاحظة السادسة: أن ترامب يدرك جيدًا أن إدخال المساعدات ضروري لبقاء السكان في غزة، ولكنه يدرك أيضًا أن حرب التجويع تبيد الشعب الفلسطيني، وهي صورة من صور الإبادة، وقد اعترف نتانياهو في الأمم المتحدة أن إسرائيل تبيد سكان غزة، والذي لا يريد إبادته يهرب من القطاع. وكذلك ردد ترامب هذه المقولة.

الملاحظة السابعة: أن ترامب يساند إسرائيل في رفض قيام الدولة الفلسطينية، أي أنه لا يعترف بالشعب الفلسطيني وبحقه في إقامة دولة، وقد أكد نتانياهو في كلمته أمام الأمم المتحدة أن الكنيست أصدر قانونين عام 2017 وعام 2022 يحظر إقامة دولة فلسطينية، كما أن الخطة لم تُشر إلى الاستيطان.

الملاحظة الثامنة: أن الخطة ليس لها مرجعية قانونية، بمعنى أنها مجرد أفكار تحايُلية من ترامب لكي يتخلص من المقاومة، وأنه استغل بعض الحكام العرب والمسلمين لكي يظهر للعالم أن حماس وحدها هي التي رفضت الخطة.

الملاحظة التاسعة: أن الخطة كلها قامت على أساس سوء النية، وأن إسرائيل لن تنسحب من غزة، وأنها تشجع الاستيطان فيها.

الملاحظة العاشرة: أن ترامب يعلم جيدًا أنه بمجرد قبول الخطة، تحقق إسرائيل كل أحلامها، ولا يحقق الجانب الفلسطيني شيئًا من المكاسب، كما أن ترامب يدرك أنه أورد في الخطة أمورًا لكي يتخذها منطلقًا للوم حماس، ولذلك أكد ما قاله وزير خارجية إسرائيل أن رفض حماس سيؤدي إلى مخاطر عديدة، وسوف تدعم الولايات المتحدة إسرائيل لمزيد من أعمال الإبادة، علمًا بأن إسرائيل وأمريكا لم يعد لديهما ما يهددان به، فقد ارتكبا كل الجرائم في غزة.

الملاحظة الحادية عشرة: صفقة القرن سوف تُنفذ في الضفة الغربية بمجرد قبول أو رفض الخطة. وصفقة القرن أُبرمت بين نتانياهو وترامب في ولايته الأولى عام 2020، وتقر بتمام إفراغ فلسطين من أهلها، وجلب الصهاينة من جميع أرجاء العالم لكي يعمروا فلسطين، تمهيدًا لإنشاء إسرائيل الكبرى.

ويتوقع أن بعض من قابلهم ترامب من الزعماء العرب والمسلمين تحدثوا مع ترامب بصراحة حول عدم الجور على الفلسطينيين، وتمسكوا بإقامة الدولة الفلسطينية وفق الصيغة العربية للسلام، ولكن ترامب أغفل هذه الحقيقة، وأكد أن الزعماء المسلمين والعرب أشادوا بخطته، وحذر حماس من رفضها. وتقضي الخطة بنزع سلاح المقاومة عن طريق لجنة من المراقبين المحايدين، كما سوف تُدار غزة من خلال مجلس السلام العالمي، الذي يرأسه ترامب، وبعض السذج وجدوا في رئاسة ترامب ضمانًا لتنفيذ الأمور البراقة.

الملاحظة الثانية عشرة: إمعانًا في التلبيس، أعلنت المعارضة في إسرائيل الخطة على أساس أن فيها ثغرات خطيرة لإسرائيل، علمًا بأن هذه المعارضة كانت بالأمس تؤيد الخطة فور إعلانها.

الخلاصة أن نتنياهو علا نجمه، وأن انتخابات إبريل في العام المقبل سوف يحصد ما جناه من تقارب وثيق مع ترامب، ومع ما سماها “نجاحات إسرائيل في جميع ساحات الإرهاب”.

ولذلك أنصح حماس بقبول الخطة مع التحفظ بغموض معظم النقاط التي تضمنتها الخطة.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

شاركها.