اخبار عمان

السياقات العاجلة لملف الباحثين عن عمل

 

 

د. عبدالله باحجاج

هناك مجموعة سياقات وطنية تُستدعى الآن في ملف الباحثين عن عمل، وتلح على هذا الاستدعاء، إنها عملية ضغوط الملف المتصاعدة والمتراكمة سنويًا، ونذكر هذه السياقات لدواعي السياق الزمني الملح، والتي تبرُز كخريطة طريق متاحة حاليًا، خاصةً وأن وراءها إرادة سياسية عُليا صريحة وواضحة، وحلولا واقعية خرجت من رحم دراسة عميقة.

ومن الأهمية بمكان أن توضع هذه السياقات فوق طاولة التنفيذ، وكل متأمل في آخر مآلات ملف الباحثين عن عمل وحمولته الاجتماعية والسيكولوجية وتقاطعها مع ملفات أخرى ضاغطة على المجتمع، وبالذات الشباب، لن يختلف معنا بشأن السياق الزمني المُلِح للتطبيق. وسنتفق على عدم وجود خيارات أخرى جاهرة وواضحة وشاملة، يمكن أن تشكل حلًا إذا لم تُصفِّر ملف الباحثين، فعلى الأقل تُخفِّف من ثِقله العددي وتلاشي احتقاناته. ونتناولها فيما يلي باختصار:

أولًا: السياق السياسي: ويتجلى في صدور توجيهات سامية وردت في تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة الصادر في أكتوبر 2024، بالنص التالي: “صدرت التوجيهات السامية بقيام وزارة العمل باتخاذ الإجراءات اللازمة وبشكل عاجل لوضع حد لتجاوزات الشركات وتهربها من تطبيق سياسات تشغيل وإحلال المواطنين العمانيين والعمل على تصحيح الوضع القائم حاليًا في شركات القطاع الخاص والشركات الحكومية وفق مقترحات جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة على أن تقوم الوزارة بالموافاة بتقرير يتضمن الإجراءات المتخذة والنتائج المُتحقَّقة”. وقد تناولنا هذه التوجيهات سابقًا في سياقات استدلالية، لكننا لم نتناولها من حيث تطبيقاتها في الآجال الزمنية العاجلة، والى أي مدى يتقاطع التطبيق مع التوجيهات في ملف الباحثين عن عمل المتصاعدة؟ لذلك ندعو للتأمل في دلالات العبارات التالية: العمل عاجلًا، لوضع حد لتجاوزات الشركات الحكومية والخاصة، والعمل على تصحيح الوضع. والدلالة التي نقصدها هنا هي ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه، ومقتضياتها واضحة وضوح الشمس، وتحللينا للبنية اللفظية للتوجيهات السامية وفق محدداتها سالفة الذكر وبعد مرور قرابة خمسة أشهر على صدور التوجيهات، يُفترض أن يكون لدينا الآن خطة تنفيذية للتوجيهات السامية.

وإذا لم يكن كذلك، فنقترح أن تكون هناك آلية لمتابعة تنفيذ كل ما يصدر عن المؤسسة السلطانية من توجيهات وأوامر وتعليمات سامية؛ لأنه عندما تتدخل المؤسسة السلطانية في أي شأن من شؤون البلاد والعباد بأدواتها السياسية السيادية أي من خارج المؤسسة التنفيذية فينبغي أن يكون التنفيذ محكومًا بالماهيات وفي الآجال الزمنية المستعجلة، لأنها أولى الأولويات، فكيف إذا ما تعلق الأمر بقضايا لا تؤجَّل، كقضية التلاعب والتحاليل بالوظائف في الشركات الحكومية والخاصة كمًّا ونوعًا؟! وفي هذه الحالة، فكيف لا نتوقع تأزُّم قضية الباحثين في بلادنا بصورة دائمة؟ أما إذا كانت هناك خطة تنفيذية؛ فالإعلان عنها والكشف عن طرق استحقاقات الوظائف ومواعيدها الزمنية، باتت ضرورة؛ لدواعي صناعة التفاؤل الذي له أهمية قصوى الآن بالذات.

ثانيا: السياق التشاركي

كل من قرأ تقرير اللجنة المؤقتة المعنية بملف الباحثين عن عمل التي شكلها مجلس الشورى، والذي رُفِعَ إلى المقام السامي، سيتعرف على حجم الاختلالات الكبيرة وحجم التلاعب في مسألة الإحلال والتعمين والتوظيف، التي بُعيدها صدرت تلكم التوجيهات السامية. وقد تناولناها في مقال عقب نشر هذا التقرير. والتقرير يُحسب فعلًا لصالح مجلس الشورى ليس في توقيته الزمني فحسب، وإنما في شفافيته وصراحته ومُسبِّباته وكشفه لحجم الاختلالات وأساليب تنصُل الشركات من تطبيق سياسات العمل والإحلال، وتسبيب الأحداث التي شهدتها البلاد عام 2011 بقضية الباحثين عن عمل.. إلخ.

ولو ركَّزنا هنا على عدد الوظائف التي ستتوفر لشبابنا لو تمت معالجة الاختلالات ووُضِع حدٌ للتلاعب، فسنجدها فوق المتوقع؛ إذ حددتها اللجنة المؤقتة بـ100 ألف وظيفة! فهل سيظل هناك باحث عن عمل بعدها؟! كما أوصت اللجنة بالإسراع في تطبيق منحة الباحثين عن عمل ومنحة ربات البيوت.

ومن تلكم الحثيثات جاءت التوجيهات السامية صريحة وشفافة ومُطالِبة بالحل العاجل، (نكرر) هناك 100 ألف وظيفة ينبغي أن تكون من الحقوق الحصرية لشبابنا العُماني، وهذا عدد كمي يمثل غاية المرحلة الراهنة بهدف إحداث انفراجة سريعة وملموسة في ملف الباحثين عن العمل؛ فالكل أصبح على علمٍ بحجم ملف الباحثين عن عمل ومآلاته ومخاطره، خاصةً مع تقاطعه مع ملفات المُسرَّحين والمُتقاعدين والباحثين عن عمل، في ظل مؤشرات ينبغي أن تُؤخذ بعين الاعتبار، مثل: انخفاض القدرة الشرائية بصورة ملموسة، تصل إلى 14% وفق تصريح رسمي.

الأهم الآن، أنه تتوفر لدينا الآن خريطة واضحة لحل أو التخفيف من أعداد الباحثين عن عمل بصورة كبيرة، مع قناعتنا الدائمة بأن الحل أو التطبيق النافذ وحتى طموح التصفير ينبغي أن يكون لا مركزيًا بالتنسيق مع السُلطة المركزية، وهذه اخبار عمان قد تناولناها في مقال سابق، ونُكرِّرُها في كل مناسبة نتحدث فيها عن ملف الباحثين عن عمل، وهي ستكون مثالية في حالة تطبيق مرئيات اللجنة المؤقتة بمجلس الشورى؛ فكل محافظة من محافظات البلاد يوجد مكتب لـ”رؤية عُمان 2040″، وينبغي أن يُعزَّز ويُفعَّل، وأن تنضم إليه كفاءات محلية من مختلف المؤسسات، والمجالس البلدية والقطاعين العام والخاص، علاوة على تعيين كفاءات محلية تحرص على ضمانة تنفيذ مرئيات مجلس الشورى. وطبيعة مرحلتنا الوطنية الراهنة وآفاقها المستقبلية وتحدياتها الجيوسياسية المُتصاعدِة تُحتِّم علينا إحداث انشغالات وورش عمل علنية لتدريب وإحلال وتوظيف الباحثين في تلكم الوظائف والمهن التي يشغلها الوافدون، مع تطبيق منفعة الباحثين لمن لم تتمكن الجهود من إيجاد وظيفة له، علاوة على صرف منفعة ربات البيوت. هنا ستشهد بلادنا نقلة نوعية، ونعتقد أن الأموال متوفرة لتطبيق أي خطة تنفيذية؛ ففي الثاني من يناير 2025، جرى الكشف عن تفاصيل “ميزانية 2025″، وقد تضمَّنت تخصيص 73 مليون ريال لدعم برامج التدريب والتشغيل، وإذا لم تكفِ هذه المبالغ، فإن تعزيزها قد أصبح من الأولويات الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *